Thursday, September 3, 2009

وشاحات سوداء ...

لا أحب الحديث عنه مطلقا , فليس هناك شىء أقدر على الإخلال بتوازنى وإرباك تفكيرى لفترة ليست بالقصيرة مثله ..
لا يضاهيه فى ذلك سوى " المساحات الرمادية " , لكنه ربما يتفوق عليها بأنه النهاية, فلا بداية بعده ولا مجال للرجعة عنه ,
فالأمر ليس بأيدينا .. حقا ليس بأيدينا .. هذه هى الحقيقة الثابتة كونيا .. أننا لانملك من أمره شيئا ..
لحظة وأخرى ويكون الحال غير الحال , والمآل هنا غير معلوم إلا عند مسببه .. فهو عنده فقط معروف ومعلوم ومقدور .. وما كل تلك السنون والأحداث والمواقف والكلمات بكل ما فيهم من تشابكات وتعقيدات .. بمعنى آخر .. ما كل تلك الحياة سوى سبب ... سبب للموت
نحب أو نكره .. نفرح أو نحزن .. نتألم أو نسعد .. لن يضيرنا من هذا شىء ولن يفيدنا من هذا شىء .. عند اللحظة التى يتساوى فيها كل شىء ..
فلا يتجه النظر إلى ماضى , ولا يتطلع إلى مستقبل , ولا يتوقف عند حاضر .. فقط يحدق النظر إلى أعلى ... إلى خالق تعلقت به كل الأسباب ..

ما جدّ وجعلنى أواجه _ على استحياء _ التفكير فى أمر الموت كانت تلك الصورة لرئيس المكتب السياسى لحركة حماس خالد مشعل " أحببت ان اكتبه بتوصيفه لتعرفوا ماذا أريد أن اقول" ..

صورته وهو يبكى والده محاولا إخفاء دموعه ...
مرّت علىّ صوره وهو يجابه أعتى أقوياء العالم ... العالم كله ... وها هو ذا يجابه الموت بالدموع ... أحقا يبكى الموت الرجال !!
كان ألم الفراق أقوى من آلام الرصاص , ومشهد الجنازة أكثر رهبة من مشهد الدبابة والإف16 والكلاشينكوف ..
ببساطة خرج الأمر من يد صاحب الرسالة .. إلى صاحب القلب .. فبدا إنسانا طبيعيا
واكتملت المفارقة القدرية بخبر وفاة " عمة أبى " بعد صراع مع المرض نحسبه غفرانا لها ياارب ...
تبدو لى فى هذه اللحظة فكرة _ قد تكون أنانية بعض الشىء _ لكنها تعنينى إلى حد كبير , تعنى بشخصى كونى أخاف الفراق دائما ..
أشعر هنا أن من رحل عن الحياة قد فارقها فلم تعد يعنيه من أمرها شيئا ألما ام فرحا , بينما الألم الحقيقى يكون من نصيب من أحبوه ...
هم من تعنيهم الحياة بشكل أو بآخر .. يعنيهم أن يكون معهم يشاركهم لحظاتهم فرحا كانت او حزنا .. يسعدهم أن يجدوه معهم .. تنشد قلوبهم أن تجد وجهه بين تلك الوجوه المحيطة بهم .. بل ربما يكون هو الوجه الأهم ... لكن مشيئة الأقدار نافذة .. ولهذا حكمة خفية بالطبع ...

بكل تأكيد تسير الحياة ,فهى لاتتوقف بحال من الأحوال , وليس هناك أهون عليها من حياة بشر , فالبشر كثر وهم قد أتوا اصلا ... ليرحلوا ونتأقلم وتبدو الحياة طبيعية .. أقول هذا عن ثقة .. بل عن تجربة ...
فقد وهمت للحظات أن الحياة توقفت لموت " جدى " , لكنها سارت وبشكل أسرع مما توقعت , لكنى مازلت فى شوق إلى " جدو " .. مازلت أتذكره فى أهم مناسباتى ..

أتفهم كم كان حكيمى وذلك عندما استدعى كلمات قالها لى , أو أخبرتنى بها أمى على لسانه .. لم أنسى مواقفه معى وأحسبنى لن أنساها , لأنها غرست مالا يمكن اقتلاعه بداخلى .. خلقت كيانا ورسمت ملامح لو عادت إلى أصلها ستعود إلى " جدو " بطريق مباشر أو غير مباشر ..!!
وهنا ننتبه إلى أنه كلما مرت بنا السنون واصقلتنا التجارب , أدركنا جلّ قدر من رحلوا عنا , ورجاحة عقلهم .. أيضا أدركنا حاجتنا إليهم ... وكلما ازددنا .. ازدادوا قدرا فى نفوسنا
فنتذكرهم طيفا جميلا ... ونبتسم مستدعين من ذاكرتنا الضعيفة ما يسعف مواقفنا .. لنبتسم ثانية لكنها هذه المرة ابتسامة " وداع " داعين لهم بالرحمة وأن يجازوا عنا خير الجزاء

11 comments:

AbdElRaHmaN Ayyash said...

الحقيقة التي تبدو ناصعة الوضوح .
أن ألم الفراق أقسى كثيرا من ألم الموت .
مررت بتجربة مشابهة قريبا ، و أدركت أن الموتى ربما يتألمون يوما أو يومين ، لكن أن يتألم أحد كلما تذكر ، و هناك من قلما ينسى !! هذا هو الألم بعينه .
لا أرى فارقا كبيرا بين أن يفترق الرجل عمن يحب .. أو أن يموت ، هناك فقط في داخل من يحب تلك الأمنية أن يكون رعم فراقه سعيدا .
و أظن أن الموتى - على الاقل أحسب أن من نعرفهم كذلك - سعداء .
دمت بخير
:) أمد الله في عمرك

Aml Ghonaim said...

أبقى الله لك كل عزيز ...
ولا حرمك إياهم في الدنيا أو في الجنة ...
كلماتك ذكرتني بما أحاول تناسيه :(
لكن هاهو الموت : لا كبير لديه !
بكى رسول الله صلى عليه وسلم حين فقد ابنه ؛ وقال :تدمع العين و نقول الا مايرضي الرب : إنا لله وإنا إليه راجعون ..
البكاء رحمة للقلوب المتوجعة !
لا أبكاك الله على حبيب لديك ..
وبارك لك في عمرك وأمده لك على الطاعة...
مبارك الشهر...

Empress appy said...

مهما ان كانت قوه الانسان الاالام والاب فى الفراق بعيد عن اى حد تانى فعلا

ربنا يرحم جميع موتانا

Hosam Yahia حسام يحيى said...

:)

ربنا يجمعكم فى الجنه يارب

--
اسلوب حضرتك رائع على فكره :)

أحمد أبو خليل said...

أنا
.....هل يؤلم البشرَ الفراق ؟
لماذا يؤلم الفراق ؟ .....

أنت ...
شخصيا لم افكر في التأصيل الفلسفي لألم الفراق لكن تبدو ... الفكرة تستحق التأمل..
إجمالا الفراق مؤلم لأنه ينازع هدوء النفس ويجبرك علي مشاعر لا ترغب فيها
.....
أنا
أنا فقط أحاول أن أنصح كل من يظنون أن الفراق ( الأشخاص - الأفكار -المشاريع - الحياة برمتها ) لا يكون إلا مؤلما ، أحاول أن أنصحهم بأن يجعلوه سعيدا مفيدا متفائلا
.....

حوار فتحناه يوم أن زعمت أن "الفراق خيارا" لكننى لم أدرج تحت هذا الخيار فراق الأحبة الأبدى ، الذى مهما احتلنا على أنفسنا لن نجعله خيارا
تساؤلاتك الحيرى فى أول حديثك - هذه المرة - بدأت بها أيضا - هناك - وابتسامتك الرضيا فى آخرها أيضا هى ما آملت أن أوصل المفارقين له

فهذه الحياة إنما هى تعارف ( ساعة من النهار يتعارفون بينهم ) ، ثم اختيار من بين من عرفتيهم ، فتصحبيهم ، تنتقيهم ، ليجاوروك فى رحلة الخلود ، سيغيبون عنك لفترة قصيرة أولا - مدة ما تعيشين بعدهم فى الدنيا - لكنهم سينتظرونك هناك ، وإن الفراق الحقيقى لهو أن يقصر بنا عملنا عن اللحاق بهم فى مراتبهم

لا أدرى هل يشعر الناس بالفراق كما أشعر أم لا ، فإننى والله لأحن إلى رجال ونساء من العهد الأول أكثر مما أحن لأصحاب الحياة ، أحن للبشر الذين لم أقابلهم بعد أكثر مما أحن للذين فارقتهم من قبل ، أشعر بألم الفراق حتى لحبيبتى وابنى وبنتى .. أكثر من جدى وجدتى - رحمهما الله - ، آسف على السير والحديث بلا هدى ، هى المشاعر تقود الأقلام حينما تطلَق
لله درك حبيبى عندما كنت جالسا بين أصحابك فى دولتك تتذكرنى وتقول : اشتقت لأحبابى ...

حلم الحرية said...

الموت ...ذلك القادم فجأة ...
يأتي ليسلبنا أشياء ...وليمنحنا أشياء أخري
يسلبنا حياتنا مع أحبائنا ...وسعادتنا بصحبتهم
يسلبنا قدرتنا علي ان نصرح لهم بحبنا لهم وكيف انهم يعنون لنا الكثير...
يسلبنا قدرتنا علي الاعتذار لهم عن تقصيرنا في حقهم... يسلبنا رغبتنا ان نكون معهم ...فقط نكون معهم وأحيانا يكون وجودنا معهم فيه وحده الكفاية
والاهم يسلب من رحل قدرته علي العطاء والاضافة في الحياة ...
ويسلبه الفرصة علي ان يكون افضل يوما ما
لكنه يمنحنا في المقابل اشياء اخري
يمنحنا فرصة للوفاء لمن بقي قبل ان يرحلوا هم ايضا دون ان نعطيهم حقهم من حبنا
يمنحنا فرصة لاستعادة افضل الذكريات للراحلين وننسي ما غير ذلك فتبقي صورتهم لدينا رائعة ..وتبقي ألسنتنا تلهج بالدعاء لهم
يعلمنا الا نظن ولو للحظة.. للحظة اننا باقون ...فكما رحلوا اليوم سنلحق بهم يوم ما فلا يغرنا طول الامل
يذكرنا بأن نترك أثرا في الحياة يبقي بعد رحيلنا ...
والاهم يمنح الراحلين فرصة للقاء احبتهم هناك ... جمعنا الله واياهم في جنته

امر الله كله لنا خير ...في منعه ومنحه ... وفي سلبه وعطائه

نسيت اقولك البقاء لله
لله ما أخذ ولله ما أعطي وكل شئ عنده بمقدار

مقاوم said...

دقات قلب المرء قائلة له
إن الحياة دقائق وثوان

نسأل الله الثبات على الطاعات حتى الممات ، وأن يحسن خاتمتنا جميعا ، وأن سرزقنا الشوق الحقيقي إلى لقائه سبحانه جل شأنه...

دمت بخير أختي الأديبة ، وبارك فيك وفي أبيك وأهل بيتك أجمعين ...

آسو الحياة said...

سنة كونية ...تقطع فى القلب شريانا اذا كان المفقود عزيزا على القلب
ولكننا بشر يجب ان نحس بهذا والعبرة ليست فى تذوق الالم والفراق وانما فى تذكر ما ذهب اليه المفارق وماسيحدث له لو لنا حتى نعد ونستعد
والايام دول
كفيلة بان تنسينا نحن البشر
من يسبقنا الى هناك
ولاننا ايضا سيأتى من ينسانا ولكن
البصمة لكل هى من ستفرق

عالم حبيب said...

مع ختام رمضان وقدوم العيد .. أدعوا الله أن يتقبل منا ومنكم الشهر ويهل علينا وعليكم والمسملين هلال العيد بسعادة واطمئنان وثبات على الطاعات بعد رمضان

كل عام وأنتم الى الله أقرب وعلى طاعته أدوم

Anonymous said...

الاحساس صعب.. فراق الاحبة... والرجال بيتعبني شعورهم بالفراق
تعبيرهم اصعب مننا وحزنهم اعمق واحتمالهم اقوى

مهاميهوووو

انا مش معاهم said...

ربنا يرحم موتانا جميعا

 
Designed by Lena Graphics by Elie Lash