Thursday, December 2, 2010

مواطن بدرجة ناخب ..

لعلها المفارقة التى تجعل أولى تجاربى الانتخابية مميزة بهذا الشكل الذى جاءت عليه انتخابات مجلس الشعب هذه الدورة .. أتحدث هنا من موقعى كمواطنة عرضت عليها جميع القوى السياسية بضاعتها لتشترى ,, ما بين مقاطع ومشارك ,, ثم حكومى ومعارض ,, ثم قاتل ومقتول .. !!

لن أنكر أنى فى طريقى إلى صندوق الانتخاب ومع التواجد الأمنى وأنباء " تقفيل اللجان " ساورنى بعض الشك فى ماهية ما أفعل ,, ليس كخيار مشاركة أو مقاطعة فالمقام كان قد استقر بى للمشاركة لاعتبارات كثيرة رأيتها فى حينها ,, لكن كعملية سياسية عبثية برمتها لن يجدى معها نفعا صندوقا انتخابيا ولا أيادى ترفع للاعتراض والرفض داخل أروقة نظامية بالمقام الأول ,, لكن اعتباراتى غالبتنى فوجدتنى أمام ورقة الترشيح " أعلّم " على مرشحين صوريين , فى محاولة لإبطال صوتى الانتخابى , حيث لم يقنعنى أيا من برامجهم فضلا عن انتماءاتهم ..

لكنه وبعد ساعة من بدء عملية التصويت اكتشفت أن كل هذه الاعتبارات التى جاءت بى إلى صندوق الانتخاب أضحى لا معنى لها .. لأنه لا معنى لأن تفضح نظاما مكشوف الوجه ,, ولا معنى لأن تشارك فاسد وظالم فى رسم ابتسامة خيلائه وزهوه ,, ولا معنى لأن تقاوم دولة بمواطن خائف وجائع ,,

جلّ من رأيتهم فى اللجان اليوم , ليسوا " ناخبين " وإنما "مواطنين" أعوزتهم الدولة إلى الصندوق الانتخابى ,, هذه السيدة التى تقف لتنتخب رجل الأعمال الذى وعدها ب100 جنيه ,, والآخر الذى وعده بوظيفة لابنه ليس ب" ناخب " وإنما هو ضحية نظام أفقره وأذهب راحة باله عندما أقلقه ليس على مستقبل أولاده وإنما على مستقبل عشاء يومه .. !!

هكذا استطاع الحزب الحاكم أن " يجرّ " وعى الناخب إلى تلك المنطقة التى لن ينافسه فيها أحد ,, فلا المعارضة – الحقيقية – تملك رجال الأعمال الذين لايرون غضاضة فى توزيع ال100 جنيه - فهم إما أن يربأوا بأنفسهم عن ذلك أو يربأوا برسالتهم عن هذا أيضا, فضلا عن أن الدولة الموقرة لن تسمح بمثل تلك " الانتهاكات " من قبل المعارضة ,, !! -


ولا هى أيضا – أى المعارضة - تملك إمكانيات الدولة التى تجعل من صكوك التوظيف أمرا ممكنا .. لذا ليس غريبا ما ذكره الأستاذ فهمى هويدى فى مقاله " بص وشوف " من أن " الوزراء التسعة المرشحون توددوا إلى أهالى دوائرهم بوسيلتين أساسيتين : الأولى , تعيين شباب الدائرة فى وزاراتهم , والثانية الوعد بإعطاء الدائرة الأولوية فى تنفيذ المشروعات الجديدة ,, " فى ظل غياب يتزايد لدور الدولة كدولة .. !!

وبالتالى فمن لايحتاج إلى " عطايا " المرشحين , هو الآخر استجاب – كردة فعل طبيعية لعملية ممنهجة ومنظمة - لتلك المنطقة التى حصرنا فيها النظام ,, منطقة " الحاجة والخدمات " .. هذه "الجامعية " التى تقف لتؤيد مرشح الحزب الحاكم باعتباره " الأقدر " على توفير بعض الخدمات التى هى مسؤلية الدولة بالأساس شاهد عيان على ذلك خاصة ونحن نتحدث عن " مجلس تشريعى " معروف تخصصاته وليس مجلس محلى من شأن وظيفته رعاية الخدمات للمواطنين .. لكنها الدعاية الانتخابية والآلة الإعلامية واللعبة السياسية التى أوجدت " عملية إنتخابية " دون " ناخب " ..

من يتابع المشهد الانتخابى عن قرب سيدرك هذا ويدرك معه أن من يأمل بثمار إصلاحية سريعة من الصندوق الإنتخابى هو واهم بالحقيقة , لأن الصندوق يفتقد الناخب ,, المشكلة ليست فى الإنتخابات ونزاهتها ,, ولا التزوير ولا البلطجة ,, ولا النظام المستبد ,, المشكلة فى أساسها تكمن فى " الناخب " هو رهان المعادلة وحصان الطراودة ,, هذا " الناخب " بظرفه السياسى والإقتصادى الحالى لا يمكن لى أن ألومه على بيع صوته أو تخاذله أو سلبيته ٍ, هو ليس بالرفاهية الكافية ليعطى لنفسه فرصة " الوعى " بالبعد الاستراتيجى لصوته , وهو نفسه من سيحاسبك على ما يفهمه هو من مهام عضو مجلس الشعب وليس على ما تعرفه أنت من اختصاصه ,, طبيعى جدا فى هذه الحالة أن يأتى من يقول لك أنا لن أرشح فلان " المعارض " ثانية لأنه لم يقدم لنا شيئا ,, هذا الشىء الذى يتحدث عنه ليس إلا أنه لم يتوسط لابنه فى نادى الشمس ,, أو يعين ابنته فى مدرسة خاصة .. !! هذا هو مبلغ آماله من عضو مجلس الشعب ,, وللمفارقة لن يرضى بأكثر من ذلك .. !!

هذا " المواطن " ومهما أوتيحت له من فرص نزاهة , هو غير قادر على تحديد خياراته بوعى ونضج كافيين , بما فى ذلك أسباب اختياره حتى " للمعارضة " , فعندما يتوفر " الناخب " يتوفر الصندوق الانتخابى والإرادة الشعبية ,, أقبلها حينها معارضة أو حكومة , لأنه فى هذه الحالة – وفيها فقط – يكون قد أملى هذا " الناخب " إرادته على الجميع .. ولن يجدى معه أيضا بلطجة أو تزوير أو عصا أمنية ..

وإحقاق للحق ,, صادفت مواطنا ناخبا اليوم ,, لكن بقوا استثناء المشهد وشواذ القاعدة ..

وبقيت على حالى طوال اليوم أقلب النظر بين الناخبين و أفكر فى معنى " المواطن الناخب " .. حتى شارف الوقت على الانتهاء ,, وخلت اللجان من زائريها وأسدل الستار على المشهد الإنتخابى , وعدت إلى بيتى ,,

لكنى عدت بغير ما ذهبت به .. ..

إن كان لأحد أن يقول أن من رأيتهم اليوم سيفهمون معنى " المقاطعة " كإرادة وخيار شعبى يتبعه عصيان مدنى وسلسلة غير منتهية من الرفض والثورة فهو مازال فى برجه العاجى, تماما مثل من كان يتوقع أن يأتى به صندوق الانتخاب هذه الدورة وهو معتمد على برنامجه الإصلاحى ونزاهة يده ومعارضته الشريفة ..

المواطن مازال بحاجة لأن يصل إلى درجة " ناخب " ولم أجد حلا آخر غير المشاركة لصنع هذا الوعى ,, هو بحاجة لأن يرى بديلا أمامه , أن يطرق سمعه نبض مقاومة لما هو حادث , أن يرى من يؤمن بالتغيير حتى لايفقد أمله فيه , تحتاج الأجيال القادمة لأن تشب على وقع معارك قد تؤلم لكنها تطرد من النفس بقايا خوف سحيق .. والزمن هنا جزء أصيل من المعادلة ,, فلنلتفت لما فى أيدينا , وننشغل بوعى الناخب قبل صوته ,, فهذا ما نحتاجه مشاركة ومقاطعة ..

28\11\2010

Sunday, November 7, 2010

كِبرنا ..



نظرت إليها مليا ,, قبل ثلاثة أعوام سألتُ السؤال نفسه , فى المكان نفسه ,, ,, جاوبتها ,, ثم أدركت أن الإجابة منوطة بى الآن ,, إحساس بالعمر والأيام ,, السنين واللحظات غمرنى

للحظة أدركت فيها معنى أننا " كبرنا " ,,

تسنيم : احنا كبرنا فعلا ,, جاوبتنى ,, صح .. كبرنا


أعوام ثلاث مرت ,, ليست بالكثيرة فى تعداد السنون , ولا العمر ,, لكنها كحد فاصل بين حياة وأخرى ,,

السنة الأخيرة

فى الجامعة ,, السنة الأولى بعد العشرين ,, ثنائية أضفت خصوصية على أيام تحمل فى كل يوم مالم يستطع عقلى استيعابه بعد

..

تراكمات بعضها على بعض تبحث عن منفذ خروج لا تجده حتى كادت أن تختنق بداخلى ,,

وكأنى أحمل فراغا لا يمتلأ أبدا ,, وكلما شارف على الفيض واستبشرت قرب الفرج ,, أتى ليحمل من جديد ,, فيض على فيض حتى كدت أشعر أن طوفان بداخلى يدفعنى إلى معركة لم أخترها ..

فحياة المعارك لا تريحنى ,, ودائما ما كنت أربأ بنفسى من الموا

جهة ,, أحاول قدر الإمكان المحافظة عليها من خسائر لا تحتملها روح لم تعتاد تلك الألوان من الحياة ,, بل هى لاتعترف بها أصلا ..

لن أزعم أنه على الدوام كانت خياراتى هى الأصح ,, ولا أدعى أنى حافظت على تلك الروح كما يجب , لكنى انتهجت ما أسميه " حصون بصمة الروح " , وتسميه أميرة " سياسة زهرة التيوليب " .. أيا ما كان .. لم يعد هذا مقبولا الآن بعد أن " كبرنا " .. !!

المواجهة تفرض نفسها ,, يقولون : لابد من حصون تتذرعى بها لخبرة لا زمة للحياة ,, لكنى لا أريدها ,, لماذا علىّ أن استجيب لإرادتها .. !!

لم تعودى تملكى " رفاهية " الخيار ,, فالأمر مفروض بفرضية الحياة نفسها ,, لكنى لا أعرف قوانينها ,, !!

هل من العدل أن أسبر أغوار مالا أعرف قانونه , فيستبيح جهلى وأتحمل وحدى الخسائر .. ؟؟.. يقولون أنه العدل .. لأننا " كبرنا " ..

صحيح ,, قولهم صحيح .. بالفعل " كبرنا " .. حتى تلك الأوراق شاهدة على عمر مضى ,, وملامح الوجوه تحكى عن أيام خلت ,, الكلمات التى كانت لاتدل إلى على معنى واضح محدد ,, صارت تحتمل كل المعانى والدلالات ,, حتى المتناقض منها تحويه داخلها ..

الثقة فى الكلمات خانتنا ,, من قال أن " السعادة " هى الحروف التى تحملها ,, لم يعد للفرح لون واحد ,, الحب والكره ,, الضجر والسأم ,, الضيق والشجن ,, كبرنا ,, فصارت تعقيدات حياتنا أكبر من بساطة تراكيب لغوية يمكنها أن تقول ما تريده أنفسنا .. !!

كبرنا ,, فلم نعد نفهم على وجه الدقة إلى أين ستأخذنا قلو

بنا وعقولنا وأفكارنا ,, إما ازدننا تعقيدا إلى الدرجة التى لم نعد نعرف فيها أنفسنا ,, أو أن أدوات معرفتنا من التعقيد بحيث لا تفسر بساطة أنفسنا ,, لا أعرف !! ..

كل ما أعرفه أن شعورا بالعمر يتسلل إلىّ على غير الوجه الذى كنت أحسبه ,, فمقياس الإنجاز وتحقيق الأهداف والوصول إلى التكامل والكمال لم يعد هاجس الخوف عندى ,, وإنما العمر بمعنى الخبرة ,, بمعنى ما كان وما سيكون ,, ما هو ثابت وما سيتغير فينا ,, ما يفترض أن نعض عليه بالنواجذ وما نتركه للأيام تعبث به كيفما تشاء ,, ما

سنحتفظ به فى ملامحنا , وما ستترك الأيام بصمتها عليه ,,


وأنا فى كل هذا ,, ووسط كل هذا ,, اعترف ,, لا سبيل لشىء فى نفسى سوى الخوف أحمله ويحملنى إلى حيث لانعرف كلانا

.. !!

::::::::::.


Sunday, October 3, 2010

من شباك الطائرة ..


أنا لى سماء كالسماء ,, صغيرة زرقاء ,, فيها الذى تدرون من صفة السماء ,, فيها علو وإنكفاء وتوافق الضدين من نار وماء ,, فيها نجوم شاردات كالظباء" ,,*

هل لغيوم السماء التى أنا بينها الآن أن تسمعنى وتنقل عنى هذا لسمائها ,,!!

هل لى وهى تحملنى أن أمتّن لها على ما تحييه فى داخلى بمجرد أن أرفع ناظرى إليها وقت سحور أو شفق أو غروب ..!!

هل يسعدها ان أخبرها أنى على كل حالاتها ,, أحبها ,, صافية كانت أم غائمة ,, تتوسطها الشمس أو يبهيها القمر ,,محلاة بالنجوم فى فخامة راقية أو خالية منها فى بساطة رائقة ,, تحتبس دموعها سحابا أو تنزلها قطرا باردا ,,

السمـــــــــاء ,, هى دائما الأقرب على بعدها ,وهى فى القرب وعلى البعد, ودودة حانية ,, تظلل الأكفة كل وقت وحين وكأنها مع الداعين تدعو وتشفع ,, شفقة بهم ورأفة بحالهم ..

وهى الكريمة لاتبخل بجودها على أحد ,, ولا تضن بظلها على بشر .. لاتملّ أبدا تفاصيلك الصغيرة عند الحكاية ولا تتبرم حنقك عند الغضب ,, لاتسخر من مشاعرك ولا تهزأ بأفكارك الم

جنونة ,, بل تستمع فى صمت مهيب ساكن ينقل لك من هدوءه ما يجعلك تخفض عينيك اللامعتين عنها بابتسامة قلما تتسلل إلى النفس المجهدة ..

و فى السماء الجمال يتحدث عن نفسه , فتجدها على صفحة البحر تضع بصمتها ,, تضفى عليه من رونقها حلا وبهاء , حتى إذا زارتها النجوم ليلا , جعلت من رمال الصحراء المقفرة لوحة فنية بديعة لا تمل النظر إليها والاستمتاع بها ..

و فى السماء معنى الكبرياء ,, بغير أعمدة تنتصب فى شموخ ,, تثق أنه ومهما حدث تحت ناظريها لن تنطبق أرضا إلا وقت أن يأذن خالقها ,, فهى فى اطمئنان دائم ,, ربما هذا هو سر هدوءها الساحر ,,

ومع ذلك فالهدوء ليس هو السحر الوحيد فى السماء ,, وما تلك البراءة التى تحميها أرضا وتحفظها جوا وترسلها بشرى تتلون بألوان الحياة بعد غيث أنعم الله به على عباده ,, فتجد أنامل أكفٍ صغيرة ممدوة إلى أعلى تشير إلى هديتها ,, " قوس قزح " ,, يبهج قلوبا غضّة طرية مازالت تقنع بالجمال فى السموات العلى ,, وتجد فى خطوط السماء فرحة تملأ قلبها ,, أليس هذا فى عالمنا سحر متقن ..!!

وماذا يمكننا أن نسمى السماء وهى تو

دع الشمس حزينة وتستجير بها أن لا ترحلى فمازال هناك من هم بحاجة إلى نور أشعتك ليأنسوا ,, فكأنها تخاف عليهم رحيل يوم من أعمارهم مازالوا بحاجة إلى لحظاته ,, تستأذنها وتأبى الشمس مخالفة مواعيدها المقدسة فى مشهد مهيب يخطف القلوب ويذهب بالألباب ,, أيكون هذا غير ضرب من ضروب السحر .. !!

لكن سحر سمائى آمن ,, لايستفز خوف النفس , بل يحتويه ويهدهده حتى يحوله طمأنينة واستمتاع يجعل من لحظات صحبتها زادا وملأا لفراغ أرواحنا المحاطة بمخاوف الحياة ,, وليس لغير السماء أن تفعل مثل هذا ,, أقولها عن يقين ,, فالبحر على جماله وروعته لن يمنحك الأمان وأنت بين أمواجه الثائرة المتلاطمة ,, بينما لم أجد فى السماء خوفا سوى أن تنقضى لحظاتى فيها ,, !!

و أجمل ما فى سحر السماء أننا نراه بعيوننا وعيونها , فهى لاتترك المجال لأحد أن ينوب عنها , ولا تعطى من أسرارها إلا لمن أراد فيها معنى مختلف وزاوية أخرى ,, فيراها كل بما يجد فى نفسه ,, أحسب أن كل من يشخص ببصره إليها يرى فيها مالا أراه ولا يراه غيره,, وهى تحتمل ذلك ,, تحتمل كل معانى القلوب وأفكار العقول ,, تحتوى عيون البشر جميعا ,, فقط إذا أسلموا أنظارهم إليها .. ليضيفوا إلى سمائهم " ياء الملكية " .. !!

مازلت انظر من شباك الطائرة الصغير إلى "سمائى " ,, إلى ذلك البساط الأزرق الممتد بمد أبصارنا لا ننقطع عنه ولا ينقطع عنا ,, تتجاذبنى الأفكار ,, وتجىء المعانى بى وتذهب ,, فألتقط بعضها وأبوح به لنفسى معنى جديد أسجله فى ذاكرتى علّى أحتاج إليه يوما, واترك البعض الآخر مبهما ,, عصيا على الفهم , أشعر به دون أن ألمسه,, فبعض ما فى النفس إذا عرفناه عوقبنا بحرمانه .. !!

وأنا بين هذا وذاك يشغلنى ما بدأت به رحلتى ,, " هل لغيوم السماء أن تسمعنى وتنقل عنى هذا إلى سمائها .. !! "

لم يزل السؤال يؤرقنى حتى قطعه ذلك الصوت الذى أعرفه ,,ليعلن أن قد بدأ الهبوط ,, وأن موعدنا مع السماء انتهى ,, حينها فقط تنبهت ,, مثل هذه السماء لاتنتظر منى و وصفا يجمّلها أو شكرا يضيف لها أو امتنانا يرضى غرورها ,, ليس لأنها لا تستحق ,, بل لأنها أكرم من أن تنتظر ,,

فيكفيها من الثناء أن نقول هى .... السمـــــــــــــاء ..

::::

* من قصيدة " أنا لى سماء كالسماء " لتميم البرغوثى


LTA3 ,,,أمة الخير

" لاتعدم الخير فى إنسان قط "
لا زالت هذه الجملة ترن فى أذنى على عمق ما أثارته فى من تفكير اخذ يتسع على مدار أيام الأكاديمية وما بعدها ,, حتى يمكننى القول أنه أخذ منى الكثير واعتقد أنه مازال قادرا على الأخذ لما تحتمله الفكرة من معانى ترتبط بنظرتنا " للإنسان " ,,

هذه جملة الشهيد سيد قطب ,, قالها وهو فى محنته ونقلها لنا دكتور عادل الزايد فى محاضرته الرائعة عن عوائق الإنجاز ,, على ما أعرفه عن الشهيد لم أكن أعرف عنه هذه الجملة ,, فكانت هذه هى المرة الأولى التى أعلم فيها بهذا المعنى عنه ,,
لم تكن جملة كهذه لتأخذ هذا الحظ من التوقف لولا أنها جاءت فى محاضرة تتحدث عن عوائق الإنجاز نقلا عن الشهيد سيد قطب ,, وللشهيد فى نفسى تساؤلات لم تجد إجاباتها فى كتابات مريديه ولا حتى المختلفين معه ,, أسئلة تبحث عن إجاباتها عند الشهيد نفسه ,, ومازالت تبحث ..
لذا كانت هذه الكلمات _ على قصرها _ كفيلة بأن تجيب على أسئلة وتفتح أخرى ,,

وأول ما أثارته كان مرتبطا بملابسات قولها ,, كيف يمكن لإنسان يعانى ما عاناه سيد قطب فى ظلمات السجن ويرى أن الخير مازال حاضرا فى الإنسانية بهذا الشكل ,, بل ما هو أكثر ,, كلماته بها نفى آمر ,, وكأن الجزم بوجود الخير هو الأصل ,, وعندما لا أجده فالخطأ ليس من عند الآخر وإنما من عندى ,, أنا من لم أستطع أن أبحث عنه بالشكل الصحيح ,, فالقصور مردود إلى أولا وأخيرا ..!!
..
هل يمكن لطاقة إنسانية أن تحتمل هذا ,, ؟؟ ,, أن تتغاضى عن شر السلبية والصمت الجبان ,, وأن تتجاوز فكرة شرور الإنسانية وهى فى زنزانة يملئها الخوف وتحيطها كرابيج السلطان ,, والمجتمع فى الخارج يهتف بحياة هذا السلطان العادل ..

بالتأكيد الأمر لا يتعلق بشخص الشهيد وإنما متعلق أساسا بفهمه _ وفهمنا _ لمعنى الخير ,, بنظرته _ ونظرتنا _ إلى مفهوم " الإنسانية " ,, بتصوره _ وتصورنا _ عن دورنا تجاه هذه الإنسانية وهذا الخير ..
ومع كل يوم كان يمر بالأكاديمية نستزيد فيه من مهارات القيادة ونتعلم فيه قواعدها وآدابها,, والمعنى يكبر ويكبر فى نفسى ,,
كيف يجب أن ترى القيادة الخير فيمن حولها ,, وإذا رجعنا لما هو أكبر باعتبارنا قادة الإنسانية بما نحمله من رسالة هى فى أصلها " رحمة للعالمين " فكيف لنا أن لا نعدم الخير فيها وسط هذا الفساد الذى يحوط جوانبنا ..!!

أفكر فى هذا وأضع بين عينى أننا أحيانا وسأبتعد هنا عن التعميم تماما ,, نحصر الخير فى انتماء فكرى أو حركى معين ,, نختصره فى مظهر أوسلوك ,, نؤطره داخل صندوق ضيق لايتجاوزه ,,
أفكر فى هذا وأنا متلبسة بأولى درجات اليأس من مجتمع مازالت تلفه السلبية وتبتعد عنه بمراحل أفكار التغيير والإصلاح والتضحية .. بل إنه فى بعض الأحيان يحاسب الضحية ويأخذ على يدها خوفا من الجلاد وطمعا فى بعض إحسانه ,,

يأخذنى عقلى من موقف الشهيد إلى موقفى ,, ومن محنة السجن إلى مهمة التغيير والإرتقاء والإصلاح ,, ومن هذا إلى ذاك يزداد التفكير حدة واتساعا ,,

حتى تنبهت إلى ما حولى ,, إلى 130 طالب من مختلف دول العالم ما أتى بهم إلى هذا المكان إلا خير يحملونه داخلهم ,, وخير يبغونه للناس من حولهم ,,

أفكار ورؤى وثقافات مختلفة بل قد تكون متباينة كأشد ما يكون التباين ,, لكن فى الجميع خير كامن استطاع أن يكشف عن نفسه , ويصدق " الخير فى وفى أمتى إلى يوم القيامة "

إذا ربما هؤلاء الذين نعتب عليهم لم يملك خيرهم القوة الكافية ليثبت ذاته ,, لكن الأصل ان الخير بهم موجود ,, فقط يحتاج من لا يعدمه بأن يراه بزاوية أوسع تستوعب جميع انواع الخير ,, يحتاج إلى نفاذ بصيرة ليوظف فى مكانه المناسب ,, ويحتاج أيضا إلى طاقة ربانية ليقوى على الاستمرار ويتحمل مشقة البحث عنه داخل النفس الإنسانية,,

بهذه الزاوية يمكننى أن أفهم قول الشهيد سيد قطب فى غياهب محنته " لا تعدم الخير إنسان قط " ,, وبها أيضا يمكننى أن أرى مجتمعى والناس من حولى بنظرة مختلفة ,, تلك النظرة المسؤولة التى نظر بها سيد قطب إلى الإنسانية جمعاء وأقر بها الخير ,, ومن قبلها النظرة التى حملنا مسؤليتها الرسول " صلى الله عليه وسلم " عندما جعل الخير فينا إلى يوم الفصل ,_ ومن يحمل الخير عليه مهمة نشره والبحث عنه _,,, وهى النظرة نفسها التى نحملها باعتبارنا خير أمة توقفت خيريتها على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ,, وما الامر بالمعروف والنهى عن المنكر إلا وجه من وجوه الخير نحمله بين ثنايا أمتنا .. لتبقى خير أمة ,, هى أمة الخير ..

Tuesday, September 7, 2010

LTA3 ,,, ترنيمة وقت

1\7\2010 .... ,,
بعد إسبوعين من هذا التاريخ ستبدأ رحلتى إلى تركيا ,, يليهما إسبوعين وأُتم عامى الواحد والعشرون ,, ومن هنا تبدأ حكاية "الوقت" فى أكاديمية إعداد القادة 3 ..




علاقتى مع " الوقت " بدأت فى السادسة عشر من عمرى عندما فمهت أن الإنجاز يعنى "تحقيق الأفضل فى وقت أقل" ,, ساعد على هذا تواجدى دائما ضمن دائرة " الكبار " فكانت النظرة الأولى غالبا تعتمد على أن سنى الصغيرة لم تمنعنى من مشاركة هؤلاء " الكبار " الإنجاز ,, كان هذا سببا مباشرا فى اعتماد تقييمى لأى شىء أحققه على السن التى حققتها فيه ,,

إلى الآن لاشىء يثير القلق , بل قد تبدو الفكرة جيدة على نحو ما ,, لكن الأمر لم يقف عند هذا التصور بل تطور حتى وصل إلى المرحلة التى وجدتنى أدخل فيها عامل الوقت فى معادلة "الربح والخسارة " فكان لزاما عليه أن يلتزم موقعه عدوا .. ولزاما علىّ أن التزم موقعى الذى فرضته على نفسى " محاربة " فى معركة لن تقبل بأكثر من منتصر ومغلوب ,,

وفى أحيان أخرى _وعندما أكون أكثر رأفة به أو بنفسى _ كنت أقبله منافسا فأخلع عنه عباءة العداوة ,, لأدخله فى غمار المنافسة ,, فكأنى والوقت متسابقين فى حلبة لن ترضى سوى فوز أول دون أن يخسر الآخر وإنما عليه أن يكتفى من الغنيمة بموقع الثانى ..

هكذا كنت أرى الوقت ,, وبالتبعية هكذا كان يرانى .. عدوين متحاربين أو على أحسن الأحوال متنافسين متضادين ,, و الوقت متى أدخلته فى معركة لا يريدها لن يكون بالخصم السهل ولا المنافس الرحيم ,, وإنما ستراه خصما عنيدا يستغل كل أدواته ليثبت أنك دخلت المعركة الخطأ مع الخصم الأقوى ,, هو لن يتورع أبدا عن أن استخدام سلطاته فى استعراض مهيب للقوى تقف عنده فى بعض الأحيان مكتوف الأيدى ,, لأنك ببساطة ومهما أوتيت من قوة لن تستطيع مخالفة نواميس الكون الزمنية فتبقى حائرا ما بين شاطئى السماء يتجاذبانك كلٌ إلى مرساه ,,

على هذا الحال بقيت أنا والوقت .. أغالبه مرة ويغلبنى أخرى ,, أسترضيه حينا ويتجاوز عنى أحيانا أخرى ,,حتى اقتربت ساعة وداع العشرين ,,, حينها شعرت أن الوقت لن يرحمنى بعد الآن وأن تلك " الصغيرة " بين " الكبار " أضحت من " الكبار " وما كان مقبولا سابقا لم يعد ممكنا الحين ,,وأن " الوقت " مثل " الدولة " لديه "سن قانونى" يسميها " سن الرشد " وقد آذنت على الوصول إليها ,,

وكنت كلما ازددت قربا من "سن الرشد " هذه كلما اشتديت فى الهجوم على ذاتى فكأنى بنفسى أعاقب نفسى على جرم لم أرتكبه ,, ووصل الأمر ذروته 1\7\2010 ,, حينها تحول الهجوم إلى خوف من المستقبل ألقى بظلاله على رؤيتى ,, ضبابية لم أعشها من قبل جعلت كل الأمور متشابهة ونسبية ,, قلقة من القادم كطفل ألقاه أبواه على قارعة الطريق وأعطوه أمانة عليه أن يتحمل مسؤليتها ومسؤلية نفسه قبلها ونسيا أن يرشداه السبيل ..

بإشفاق كنت أنظر إلى نفسى وباتهام أيضا كنت أحاسبها ,, و أنا ما بين هذا وذاك أتجهز للأكاديمية و أتسائل إن كانت هذه أفضل الحالات التى استقبل بها تجربة كتلك , فيفترض بى فى هذا الوقت أن أكون أكثر هدوءا ووضوحا وروّية ,,
لكن يمكننى الآن أن أقول أنه لم يكن أنسب من هذا الوقت لأعيش تجربة كتلك ولم يكن لطفٌ من الله أكثر من ابتدىء عامى الواحد والعشرين وأنا احتفل بنجاح مشروع الأكاديمية الإعلامى ,, لأتعلم من دروسها ,,, ..

أن للوقت " حكمة " لاينبغى لنا أن نهملها ,, فمواقيت الأشياء من عند الرحمن مقدّرة , تحمل بين طياتها رسالة يريد سبحانه أن تصل فى ميعادها المناسب فلايصح منا أن نستبقها ونتعجل بها ,, نتجهز لها .. نعم ,, نبذل جهدنا فى استقبالها على الوجه الأتم .. صحيح ,, لكن لا نأخذ من الوقت لنضيف إلى الإنجاز , لأنه لو رضى بهذا مرة فلن يقبله ثانية ,, ولأن المحصلة بالنهاية ستكون على حساب أمور أخرى تتساقط دون وعى منا ونحن فى غمار الحرب مع الوقت ..

فأحيانا ونحن فى حمى وطيس حربنا المقدسة مع الوقت ننسى أننا مازلنا بحاجة إلى " بناء ذاتى" , يلعب فيه الوقت دور البطولة الرئيسية, فالخبرات مثلا هى فى أساسها مبنية على قاعدة مرور " الوقت " , بشكله الإيجابى بطبيعة الحال ,والبناء المعرفى والمهارى هو أيضا صنيعة الوقت ,, فالوقت بجانب حكمته هو " عامل بناء " يستحق أن يأخذ فرصته فى إثبات قدرته على إحداث التميّز والعمق ,,

والأهم وقبل الحكمة والبناء ,, وقتى ملكى ,, فلأجعله صديقا وفيّا ,, فليس من الحكمة أن استعدى ما هو مسخر لى

Saturday, August 7, 2010

LTA3 ,,, عينُ أخرى

الآن يمكننى أن أسجل بعضا مما حمله عقلى وحوته نفسى طوال الثلاث أسابيع الماضية ,, وأعترف أنى إلى الآن لم أستوعب تماما كل ما حدث ,, جزء من المشكلة أننى لم أستطع _ وحقيقة لم أحاول _ الهرب من عادة عقلى بإعطاء كل الأمور وقتا إضافيا للفلترة ,, فليس كل ما هو داخل إليه مقبول له,, لكن بالضرورة كل ما هو خارج منه مرفوض بالنسبة إليه ,,

عملية " الطرد " و" التثبيت " هذه كانت على أوجها خلال أيام الأكاديمية , و هنا لا أقصد المحاضرات والمواد العلمية وإنما أعنى ما هو خارج إطار المسلمات والقناعات ,, أقصد تحديدا التفاعل البشرى والاحتكاك الإنسانى الذى كان متواجدا من خلال الفعاليات والنشاطات المختلفة ,, لأنه بالنهاية تبقى المادة العلمية إطار تنظيرى يقبل التطبيق وعدمه ,, أما المواقف اليومية والمشاهدات الحية فهذه هى أكثر ما ينطبع فى النفس ويرسم خطوطا بارزة فى العقل يصعب محوها ويكون المجهود فى إعادة تدويلها ووضعها فى نصابها الصحيح أكبر وأعقد مما يحتمله الوقت أحيانا .. لذا فإننى لم احاول إرهاق عقلى باستعجاله ,, وعزمت على ترك الأمور تجرى فى مسارها الصحيح ليقوم بمهمته على الوجه الأكمل ,, فكفاه ما يعانيه معى :)

وكنت قد نويت أن أكتب يومياتى بالأكاديمية , لكنى لم أفعل ,, إما لضيق الوقت تارة ,, أو لأن الكلمات خانتنى تارات أخرى ,, لكن على كل حال مازالت ذاكرتى تسعفنى خاصة فيما لا يمكن أن يُنسى من مواقف وأحداث وشخوص أحدثوا ما هو أكبر من النسيان ,,

وحقيقة احترت وأنا ادون ما أكتبه الآن فى "ماذا سأكتب" ؟؟ ,, هل عن الأحداث بتفاصيلها الكثيرة والمشوقة أم عن الأشخاص الذين أثرونى فعلا وتركوا بصماتهم فى وجدانى على نحو غيرمسبوق أم الإفادات والمواد العلمية التى أصقلتنا علما وخبرة وفهما ,, واستقر بى المقام إلى أن اكتب ما يمليه علىّ قلمى وفقط ,, فالقلم أصدق البيان ,وهو أيضا الأعلم بما يريد أن يقوله عقلى فقررت أن اترك الأمر بينهما ,, ,,

لفترة ليست بالقصيرة من بداية الأكاديمية وحتى النهاية كان هناك إحساس يتملكنى أن ثمة " حكمة " من وجودى فى هذا المكان تتجاوز فكرة " التجربة " التى سعيت إليها أو أتت إلىّ ,,الأمر أكبر من ذلك ,, لكنى لا أعرف ماهو ؟؟!! ..

سعيت أن أُحصّل كل ما يمكننى تحصيله وأن أتدارك كل ما يفوتنى سريعا حتى أصل إلى حقيقة هذه الحكمة , لكنى لم أصل ,, صدقا كان هناك بداخلى مالم أستطع فهمه ,, ترجمته بداية على أنه عدم إدراك للموقف ,, ثم بأنها تجربة جديدة هذه طبيعتها ,, لكن بقيت هناك حلقة مفقودة تدفعنى للبحث عنها ,,

حتى جاء حفل الختام ,,, تذكرت ما نسيته طوال أيام مضت ,, " رؤيا " _احتفظ بتفاصيلها _ قد جعلها ربى حقا ,, حينها استبشرت بالقادم وتبدد خوفى الذى تملكنى قبيل انتهاء الأكاديمية من مسؤلية تنتظرنى مستقبلا لا أعرف كنهها تحديدا ,, إحساس بالمعيّة غمرنى جعلنى أنظر لما مضى بعين غير التى كنت انظر بها سابقا ..

بهذه العين يمكننى الآن أن اتحدث عن أكاديمية إعداد القادة 3 ,,




نبدأ بالأهداف فهذه تحديدا أول الأمر ومنتهاه ,, لن أتحدث عن أهدافى من الأكاديمية وإنما عن قاعدة تعلمتها بعد تجربة هناك ,, "النجاح لا يعنى فقط قدرتى على تحقيق الأهداف التى رسمتها ,, وإنما أيضا مقدرتى على خلق أهداف جديدة تتوافق مع الظروف التى أنا فيها والإمكانيات المتاحة من خلالها " ,, بمعنى أنه إن كانت ثمة أهداف قد حددتها مسبقا فلا يعنى هذا أن أتوقف عندها ولا أتجاوزها وإنما يمكننى أن أتنازل عن بعضها فى مقابل أخرى يفرضها الظرف والمكان ..


كانت هذه أولى الدروس وأهمها,, ولن أنكر أنى أخذت وقتا حتى أتوصل إليها وأتأقلم مع فكرة أن هناك " بديل " إن لم يكن " بدائل " يمكن للإنسان أن يتعامل معها لتحقيق النتيجة ذاتها , فقد كنت أملك قدرا لا بأس به من " الأحادية " فى التعامل مع بعض الأمور ,, فأن أصل إلى هذه النتيجة فهذا يعد من إنجازات القرن الواحد والعشرون :),,
بدأت رؤيتى فى التغير فى الثلاث أيام الأولى من الأكاديمية ,, عندما وجدت أنه من الخطأ أن أقصر وجودى فى هذا المكان على أمور محددة سابقا ,, تركت مساحة حرة لمعايشة التجربة كما هى ,, وفى كل يوم كان يتبين لى أن ثمة أمرا لم انتبه إليه يستحق أن أضعه فى قائمة أهدافى ,, حتى وصلت إلى النقطة التى تبلورت فيها هذه النتيجة وأخذت عمقها بداخلى ,,

بالتأكيد مازلت بحاجة إلى "الوقت" لاستكمال الرؤية وتحقيق التطبيق الأصح فأى معنى جديد يدخل العقل يحتاج إلى خبرة تصقله وأحداث تؤكده حتى يضحى قناعة يتحرك الإنسان من خلالها ,, لكنى لم أعد أخشى هذا المعنى " السلبى " للوقت باعتباره قادر على تشويه المستقبل ووأد الأحلام ,, ببساطة لم تعد معركتى مع " الزمن " ولكن مع ما أحدثه فيه ,, ولهذا قصة يطول ذكرها تتبع فى المقال التالى إن شاءالله
:)

Wednesday, June 16, 2010

عبدالرحمن ..


ليس من السهل ذكر اسمه , فضلا عن استدعاء ذكراه , فهناك من شخوض حياتى من لاأستطيع التكلم عنهم إلا من وراء حجاب ,, لم أملك الجرأة الكافية يوما لسبر أغوارهم فى نفسى .. فالوصول إلى تلك المناطق العميقة فى النفس متعب ومؤلم على نحو قد لا اتحمل عنائه ..فأتركه هكذا .. ساكنا متمكنا من موقعه رافضا أن يتزحزح ,, و بالوقت ذاته ومن حين لآخر لا ينسى أن يذكرنى بوجوده .. إما ببسمة لاتعرف مصدرها ,, أو شجن لا يعرف سببه ..
هؤلاء وحدهم من أعرفنى من خلالهم حتى إذا تعمقت فى معرفتى بهم ازددت معرفة بنفسى , ألتجأ إليهم أحيانا .. هروبا أعرف ,, لكنه الهروب المحتم حتى يمكننى ان أبقى كما أنا ... اطمأنهم على مكانهم فى نفسى , أبث لهم همومى وأخذ منهم رسائل الحياة وأمضى ,,ورسائلهم صادقة ,, أثق فى صدقها , ليس فقط لانى أثق بنقاء حبهم , ولكن لأنه ليس هناك أصدق من الموت .. !!
وهو أحدهم ,, أو لنكون أكثر دقة ثانى أولهم ..
عبدو ,, هكذا ناديناه سنينا كان هو قائدنا المغوار فيها ,, ينظم اللعبة ويرتب الصفوف ويضع القوانين المنظمة , ونستجيب نحن بثقة فى عقل عبدو ,, وهى ثقة مكتسبة استطاع نيلها بعد إثبات للقدرات وإقناع له بأن اللعب مع البنات ليس فيه انتقاصا من شأنه ,حيث كان يرى أن ذلك الجنس البشرى لم يرقى بعد لمستوى تفكيره الطفولى ,, ولحظه السىء كان بقية اقربائه من ذلك الجنس البشرى , فكان يتعامل معنا أحيانا من باب " المضطر " حتى يحدث الله أمرا كان مفعولا ..
أعوام أربع أكبره بها , لم أجد فيها ما يمنعنى من أن أسير تحت قياده ,, واعترف لم أكن أنا بالطفلة التى يرضيها أحد , لكنه كان بالطفل الذى لايمكن ألا يرضاه أحد ॥

هو أول من علمنى تفانين الكرة التى كان بها مغرما , وفى أوج شهرة " حسام حسن " أقنعوه أن يفعل مثله ويحلق شعره كاملا ,هم ليسوا من هواة الكرة ولا من أصحاب تقاليعها وإنما خافوا عليه من صدمة أن لايجد شعره الحريرى كنتاج طبيعى لعلاج مرضه ,أو لربما خافوا من إجابة سؤاله .. " ليه ؟ " ,, فأتوا بتلك الطريقة ليجعلوا من كل شىء أمر طبيعى ..
يحدثنى أنه الأمهر فى تمرير الكرة لخط الدفاع ,, يتكلم عن خطط كروية أبهر بها مدربوه ,, كلمات أتذكرها " ظهير أيمن ,, أيسر ,, خط وسط " ,, يسهب فى أخبار ناديه المفضل آنذاك " الزمالك " وأنا لا افهم شيئا من هذا كله ,, تشعرنى فقط حماسته أن ثمة أمر هام يتحدث عنه ,, أمر يهمه وهذا جدير بخلق اهتماماتنا جميعا ,, بلا استثناء ..
عبدالرحمن ,,
أول أبويه هو ,, وثانى الأحفاد ,, ولهذا خصوصية تليق به ,, روح أمه كما كانوا يقولون .. لهما تعلق غريب , ليس كتعلق ام بابنها وإنما بقلبها الذى يمشى أرضا .. لذا كان طبيبعيا أن لاتجده بعدما ذهب .. أما أبيه فكان يرى فيه كنز الحياة الدنيا ,,
أما نحن .. لا أحسب هذا الاسم لم يترك بصمته فينا , لكل منا ذكرى عنده ومعنى لم يجده فى غيره ,,هو من الأسماء التى إن ذكرتها ستحيرك ردود الأفعال ما بين ابتسامة ودموع وخفقان قلب وإعادة تفكير ,, وهروب .. لكن أحدا لن يمر عليه مرور الكرام ..
لكن الاسم الشجىّ صار من المحرمات لمدة طالت وستطول عن العشر سنوات , لايملك أحد منا ذكره علانية, نحتفظ به سرا فى أنفسنا , تحدثنا به ذواتنا , لكن يظل البوح به غير مأمون العواقب ,, فهكذا الحياة , تحرّم أسماء وتبيح أخرى كيفما تريد .
وهو اسم خلق ليموت .. , فهذا العقل المتّقد الذكاء , والنفس الرقراقة الصافية المحلقة على الدوام , والقلب المحب النقىّ ,لم يكن ليكتب لهم العيش , حتى تقاسيم وجهه , تخبرنا _على نحو لم نفهمه إلا متأخرا _ أن مثله لايبقى , وإنما يأتى طيفا ليعلمنا حكمة إلهية ويرحل فى هدوء,,
مازلت أتذكر ملامحه على نحو لم أعهده فى نفسى , فهذه عادة أول ما أنسى , ومابين صورتين تأخذان نفسى من النقيض إلى النقيض أجد غصة لاتذهبها عيون تستأذن الدموع ..
صورته وهو يؤمنا فى الصلاة عذب الصوت حيوى الحركة ,, والأخرى وهو بالمشفى , يتعالى على عجز المرض , ويرفض أن يستسلم لقوانين العلاج المرهقة ..
يبتسم ويقول لى " مبقتش بخاف من الحقنة , لإنى بقيت راجل " , أخبره أنى مازلت أرتعد منها .. يصمت ثم يقول " لكنى تعودت عليها " ,,
لا أعرف تفاصيل النهاية , لم يخبرونا بها خوفا علينا ,, قالوا لنا أنه لم يعد بالإمكان أن يشاركنا اللعب ,, ثم زادوا لم يعد من المستطاع ان تروه ,, وأنهوا ,,لم يعد من المقبول الحديث فى هذا الأمر .. !!
لا أعرفها ولا أحسبنى سأستوضحها يوما ,, خير لى أن أبقيها غامضة مبهمة تحتمل كل الوجوه إلا وجهها الحقيقى ,, ليبقى وقع " عبدالرحمن " فى نفسى ابتسامة .. ويبقى تأريخه الوحيد عندى 16\6 ,, يوم مولده
ولتبقى النهاية عندى زيارة له أرانى فيها النيل _ للمرة الأولى _ من شباك مشفى الأورام , ووعد لم تتح لى الأقدار أن أوفى به .. وعد بزيارته قريبا ..

Monday, May 10, 2010

الطريق إلى " الأبعدية " ..

قد عشت أسأل أين وجه بلادي؟؟
أين النخيل ؟ وأين دفء الوادي؟
لاشيء يبدو في السماء أمامنا
غير الظلام وصورة الجلاد
هو لا يغيب عن العيون كأنه
قدر كيوم البعث والميلاد ..
كلمات لجويدة سمعتها يوما ووعيتها عن ظهر قلب , ليس فقط لأن فيها إبداع الوصف , لكن أيضا أحسبنى أرغمت علي حفظها , ففى اليوم التالى مباشرة لإلقائها كنت على موعد مع زيارة أبى فى مزرعة طرة,,
ووجدتنى أرددها وأنا فى طريقى إلى المزرعة ,, أحفظها عند عودتى من المحكوم ,, أفهمها بين نزلاء وادى النطرون ,, أتلمس معانيها فى سجن الزقازيق ,, اكرهها وأنا أرى تلك الوجوه الأمنية البائسة بسجن دمنهور العمومى ..
وكم حاولت جاهدة أن اطرد ذكرياتها من ذاكرتى وما ألبث أن انجح و استعيد وجه بلادى حتى تأتى الدولة فيها لتعمّق تلك الذكريات وتجددها على نحو من يريد الإثبات لا النفى !!
لأعود وأتسائل من جديد ,, أين وجه بلادى ,, بالتأكيد هو ليس فى ذلك الطريق الصحراوى إلى معتقلاتها ,, ولا تلك الوجوه التى رسم عليها الزمان أقسى معانيه ,, ليس وجه بلادى فى تلك الأيادى الممتدة تسأل الناس إلحافا .. ولا تلك الظهور التى تحمل هموما تنأى عن حملها الجبال ,, وجه بلادى غير مرسوم على أجهزة أمنها وقصور سارقيها ,, وجه بلادى ليس هو وجه حاكميها ..
وانتظر مع كل صباح أن أرى معنى الوطن فى بلادى ,, أن افهم أن أرضها يمكنها أن تسعنا وليس فقط سجونها ,, أن السماء فى وطنى لها معنى آخر غير التعلق بها دعاءا على الظالمين أو طلبا للنجاة من كيدهم ,, وأن العيون لا يرتسم الذل فيها وكأنها جبلت عليه ,, انتظر معنى الوطن فى نشيده القومى ,, فلا يأتى .. !!
وفى الطريق إلى وجه بلادى المحتوم وأنا ذاهبة لزيارة أبى , أقنع نفسى أن ثمة وجه آخر لم تتحه الظروف , وأن موعدى معه قريبا , فربما تكون هذه آخر الزيارات ومنتهى الأماكن التى سأتعرف عليها على كثرة ما عرفت من أماكن فى بلادى يسمونها " معتقلات "
هذه المعتقلات التى لا يجمعها سوى هذا الإحساس بالظلم وتلك الأسوار العالية التى لطالما تمنيت لو هددتها حجرا حجرا , حتى لا يبقى على وجه الأرض ما يمنع أبا أن يكون وسط ابنائه و طفلة تبكى اشتياقا لأبيها ليلا وأم كل أمنياتها أن يستقبل ابنها عزاؤها ..
وكترنيمة متكررة تختلف فقط فى بعض التفاصيل تكون زياراتنا لتلك " المعتقلات " ..
نستيقظ ليلا لنتجهز ,, فالرحلة طويلة ممتدة ربما بطول أعمارنا ,, يٌؤذَّن للفجر فأدعو الله أن يأذن بفجر مشابه لبلادى ,, نتّم الصلاة ونطمئن على استكمال أوراقنا ,, البطاقات ,, إذن الزيارة ,, رخصة السيارة ,,

تودعنا "الشرقية" _ كعادتها _ بتمنيات السلامة ,, وتستقبلنا _هذه المرة_ " البحيرة " بعبارات الترحيب ,,نبحر أكثر فى المدينة الساحلية ,, مازال فى الوقت بقية لتجميع شتات النفس ولملمة أحداث الإسبوع علّى استطيع هذه المرة التفوق على الزمن وحكيها جميعا لأبى ,, ففى المعتقل لا يعترفون بأبوة وبنوة ,, ومعانى الإنسانية لا تعنيهم فى شىء , فالقانون يقول : لكى دقائق معدودة هى حقك الدستورى حتى وإن كنت أقضى فى الطريق أضعاف ما أقضيه فى الزيارة .. فهذا لا يهمهم فى شىء!! أما هناك على جهاز التفتيش فيتعاملون مع تلك الدقائق " كمنّة " لهم فيها ما يشاؤن من المنع والعطاء !!
مازلنا على الطريق ,, يستبد بنا القلق على صحة أبى فنطوى طول الطريق بمواصلة الدعوات بأن ينتبه أبى إلى مواعيد الدواء ,, وأن يستقر معدل الضغط والسكر ,, نخفى جميعا تساؤلا مرا عن صحة قلب أبى ,, نتمنى لو سابقنا الزمان حتى نراه ونطمئن على صحته ,, بلطف من الله نصل إلى "الأبعدية" حيث " سجن دمنهور العمومى " و ملمح آخر من ملامح بلادى له تفاصيله المختلفة ,, فالأبعدية لها من اسمها نصيب , فهى على بعدها ومشقة طريقها المتعرّج تبدو متصالحة مع من أسماها بهذا الاسم ,,
تستقبلنا وجوه تقول أنها قد جاءت لمذنبين يعاقبون على جرم فعلوه اصطلح على تسميتهم " جنائيين " فى تناقضية لطالما أرهقتنى ما بين معتقل " جنائى " وآخر فى نفس المكان , تمارس عليه القوانين أسموه معتقل " سياسى " ..!!
انظر إلى تلك الوجوه التى تعتبرنا غرباء عن هذا المكان ,, اتسائل إن كانوا يعرفون لماذا نشاركهم المكان نفسه ,, هل يقلقهم قانون الطوارىء .. أو مثلا يعرفون شيئا عن تهويد القدس ,, أيهتمون لخبر بيع أصول البلاد ,, هل هم مثلى يبحثون عن وجه الوطن , أم أنى وحدى أهيم بحثا .. ؟؟
لم انتظر طويلا حتى جاءتنى الإجابة من أحدهم عندما قال : دول سياسة ملناش دعوة بيهم , وذلك فى معرض إجابته عن تساؤل صاحبه عندما سمع العسكرى ينادى : السياسى يجى يسجل هنا ..
عندها أدركت أن وجه الوطن ليس فقط تائها عن أبنائه , وإنما أيضا مشوها فى عقول بعضهم ..
حقائبنا على جهاز التفتيش ,, قلوبنا تسبقنا إلى غرفة الزيارة ,, وعيوننا معلقة على وجه الضابط بانتظار معرفة الخطوة التالية ,, فهم دائما من جديد إلى جديد ..
انهينا مراحل التفتيش ,,
نحن الآن فى غرفة الزيارة ,, تستقبلنا ابتسامة ترحاب من أبى ,, تلاحقنا تلك الوجوه النورانية بالسؤال عن أحوالنا والاطمئنان علينا ,, عالم آخر يشبه المدينة الفاضلة .. حب وتآخى وود وقلوب عامرة بالسكينة ,, أمل يعرف طريقه إلى النفوس ,,
وأخيرا أجد الإجابة على سؤالى ,, ثمة وجه آخر لبلادى يرتسم على تلك الوجوه النورانية ,, وجه يحمل ملامح الوطن الذى نعرف فيه الأمان والاستقرار ونتّم فيه صلاة الفجر,, وأبى لنا إماما
ً ..

* المقال على إخوان أون لاين
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64574&SecID=390

Sunday, April 18, 2010

لا شىء يشبه يوتوبيا ..

صدى ضائع كسراب بعيد يجاذب روحي صباح مساء
أنام على رجعه الأبديّ ويوقظني برقيق الغناء
صدى لم يشابهه قطّ صدى تغنّيه قيثارة في الخفاء
إذا سمعته حياتي ارتمت حنينا ونادته ألف نداء
يموت على رجعه كلّ جرح بقلبي ويشرق كل رجاء
ويمضي شعوري في نشوة يخدّره حلم يوتوبيا
ويوتوبيا حلم في دمي أموت وأحيا على ذكره
تخيلته بلدا من عبير على أفق حرت في سرّه
هنالك عبر فضاء بعيد تذوب الكواكب في سحره
يموت الضياء ولا يتحقق ما لونه ما شذى زهره
هنالك حيث تذوب القيود وينطلق الفكر من أسره
وحيث تنام عيون الحياة هنالك تمتدّ يوتوبيا
***

وحيث يظلّ عبير البنفسج حيّا ولا يذبل النرجس
وحيث تفيض الحياة رحيقا نميرا ولا تفرغ الأكؤس
وحيث تضيع حدود الزمان وحيث الكواكب لا تنعس
هناك الحياة امتداد الشباب تفور بنشوة الأنفس
هناك يظلّ الربيع ربيعا يظلّل سكان يوتوبيا
***

هنالك حيث وعت شهرزاد أقاصيص غنّت بها ألف ليله
هنالك يوتوبيا في الضباب على شفق لم تر العين مثله
يحفّ بها أبد من عطور ويمنحها ألف لحن وقبله
وترقد في سكرة لا تحدّ على رجع أغنية مضمحلة
على شاطيء كضياء النجوم أسميّه شاطىء يوتوبيا
***

هنالك طوّفت ذات مساء وكان معي هيكل كالسراب
أحسّ خطاه على الرمل لكن أرى غير شيء وبعض سحاب
وكان أمامي ممر غريب تغلّفه دفقات الضباب
ويمتدّ عن جانبيه خليج وبعض جزائر بعض هضاب
وفي حلمي صحت : أين أسير ؟ فرد صدى:قرب يوتوبيا!
***

أحسست في قعر روحي جنونا وشوقا عميقا كبحر عميق
تريد انتهاء الطريق الغريب إلى البلد المتمّنى السحيق
لي ذلك الأفق الأزليّ وحيث يعيش أبولو الرقيق
على ظمأ لوجود عجيب يذوب عليه الندى والبريق
على ظمأ صارخ وأخيرا صحوت ولم أر يوتوبيا
***

وفي حلم آخر كنت أمشي على شاطيء من حصى ورمال
غريب غريب بلون الأثير يحفّ به أفق كالخيال
تناهى بأقدامي المتعبات إلى صخرة رسخت كالمحال
تسلّقها أمل مضمحل فقد تتزحلق حتى الظلال
وساءلت ماذا ترى خلفها ؟ فقال لي الرمل : يوتوبيا !
***

وفي حلم ثالث خلت نفسي على بابها المرمريّ الكبير
أحدّق في نشوة لا تحدّ أكاد أجنّ .. أكاد أطير
أحقا أرى الباب ؟ ألواحه تلوح مبطنّة بالحرير
تقدمت واجفة في خشوع وفي مقلتي ومض حلم قرير
أدقّ على الباب في نشوة ولا ردّ غير السكون المرير
***

ومرت حياتي مرّت سدى ولا شيء يطفىء نار الحنين
سدى قد عبرت صحارى الوجود سدى قد جررت قيود السنين
وما زلت أذرع صمت القفار وأسأل عن سرّها العابرين
يطول على قلبي الإنتظار وأغرق في بحر يأس حزين
أحاول أن أتعزى بشيء بغاب , بواد , بظلّة تين
دقائق...ثم أخيب وأهتف: لا شيء يشبه يوتوبيا
سأبقى تجاذبني الأمنيات إلى الأفق السرمديّ البعيد
وأحلم وأحلم لا أستفي ق إلا لأحلم حلما جديدا
أقّبل جدرانها في الخيال وأسأل عنها الفضاء المديد
وأسأل عنها انسكاب العطور وقطر الندى وركام الجليد
وأسأل حتى يموت السؤال على شفتّي ويخبو النشيد
وحين أموت..أموت وقلبي على موعد مع يوتوبيا
دقائق...ثم أخيب وأهتف: لا شيء يشبه يوتوبيا
***

سأبقى تجاذبني الأمنيات إلى الأفق السرمديّ البعيد
وأحلم وأحلم لا أستفي ق إلا لأحلم حلما جديدا
أقّبل جدرانها في الخيال وأسأل عنها الفضاء المديد
وأسأل عنها انسكاب العطور وقطر الندى وركام الجليد
وأسأل حتى يموت السؤال على شفتّي ويخبو النشيد
وحين أموت॥أموت وقلبي على موعد مع يوتوبيا

** يوتوبيا ضائعة ,, نازك الملائكة


Sunday, March 28, 2010

هنا .. بلادى !!


هنا .. وهنا فقط يمكننا أن نعتبر ,و أن نظن ان للحلم ثمناً وأن بإمكاننا أن نكون بشر ..
يمكننى هنا أن اقول انى انا ,, ولا أخشى ما يستتبعه النظر

الامر هنا لايحتاج إلى كثيرٍ من التحدى ॥


هنا المكان يشهد بحاله ,, والتاريخ يكتب ذكرياته .. هنا تصنع النظريات نفسها ,, وتتناغم تناقضات الحياة بأكملها ..
هنا الملاحم شىء طبيعى,, والارض يمكنها ان تخبرك عن نفسها ॥ والوجوه ترسم تفاصيل الزمن ..
هنا الجدران لها شكل مختلف ॥ بارود متراص بجانب بارود ॥ متماسك بدماء القلوب

هنا الأبواب لاتغلق أبدا .. مفتوحة بابتسامات أهلها ,, وكرم نفوس أصحابها ,,
هنا ينعدم الإحساس بالزمن ,, لاشيبٌ ولا شباب ,, الكل يعمل ويعمل ,, طفل بجانب شيخ يسخرون من الوقت فى لعبة سرمدية ..
هنا للهواء نسيم لاتجده بمكان آخر ,, عليل ونقىّ _ حيث النقاء هنا أمر بديهىّ _ تذكِرك نسماته بآيات الإسراء ,, وتحمل بشرى وعود الانتصار ..
هنا لرائحة الزيتون فعل السحر على العقول , وكلما انغرست البذرة فى الأرض ,نبتت الفكرة فى العقل , فيقوى الجسد ويشتد العود ..
وهنا الجسد لا يتحمل مرضه وفقط ,, وانما يحمل ذنب تهاون قلوب أخرى .. وإن كانت على الطرف الآخر من العالم .. الجسد هزيل ,, نعم ,, منهك ,, جائز ... لكنه مازال قادرا على حمل قلبه دون كلل ..

هنا المستحيل ممكنا .. يدلّك على هذا ثقوب الرصاص على جدران المنازل , ومع ذلك الكل آمن , فى جدلية أرهقت المحللين والسياسين ,, وأعيت أصحاب البنادق ..
وهنا الممكن مستحيل .. بيت الله بجوارك .. وندائه مرفوع على المآذن , لكن البيت لغير أصحابه مفتوح ,, والنداء لغير أهله مسموع ..

هنا الجرم مختلف .. والعقاب ليس من جنس العمل , القتل هنا ليس بإزهاق الأرواح وإنما بأوجاع القلوب , والسرقة هنا ,, سرقة وطن ..


هنا الطفل فى المعتقل والآخر بباحة المسجد ممسكا بالحجر ,, والأم تنظر إلى شاشات التلفاز عله يأتى بالخبر .. أما الأب فيتابع قضية مسجده وبيته وابنه .. وأخيه الذى يحتضر بعد أن خنقته قنبلة الغاز بالممر ..
هنا حكايا الجدات ,, وطرائف الشباب ,, ولعبات الأطفال ,, وضحكات البنات , تحكى معنى الوطن ,, والأمل ..

هنا .. أرض الرباط ومصدر المعجزات.. هنا ,,هنا .. بلادى !!

 
Designed by Lena Graphics by Elie Lash