Sunday, March 28, 2010

هنا .. بلادى !!


هنا .. وهنا فقط يمكننا أن نعتبر ,و أن نظن ان للحلم ثمناً وأن بإمكاننا أن نكون بشر ..
يمكننى هنا أن اقول انى انا ,, ولا أخشى ما يستتبعه النظر

الامر هنا لايحتاج إلى كثيرٍ من التحدى ॥


هنا المكان يشهد بحاله ,, والتاريخ يكتب ذكرياته .. هنا تصنع النظريات نفسها ,, وتتناغم تناقضات الحياة بأكملها ..
هنا الملاحم شىء طبيعى,, والارض يمكنها ان تخبرك عن نفسها ॥ والوجوه ترسم تفاصيل الزمن ..
هنا الجدران لها شكل مختلف ॥ بارود متراص بجانب بارود ॥ متماسك بدماء القلوب

هنا الأبواب لاتغلق أبدا .. مفتوحة بابتسامات أهلها ,, وكرم نفوس أصحابها ,,
هنا ينعدم الإحساس بالزمن ,, لاشيبٌ ولا شباب ,, الكل يعمل ويعمل ,, طفل بجانب شيخ يسخرون من الوقت فى لعبة سرمدية ..
هنا للهواء نسيم لاتجده بمكان آخر ,, عليل ونقىّ _ حيث النقاء هنا أمر بديهىّ _ تذكِرك نسماته بآيات الإسراء ,, وتحمل بشرى وعود الانتصار ..
هنا لرائحة الزيتون فعل السحر على العقول , وكلما انغرست البذرة فى الأرض ,نبتت الفكرة فى العقل , فيقوى الجسد ويشتد العود ..
وهنا الجسد لا يتحمل مرضه وفقط ,, وانما يحمل ذنب تهاون قلوب أخرى .. وإن كانت على الطرف الآخر من العالم .. الجسد هزيل ,, نعم ,, منهك ,, جائز ... لكنه مازال قادرا على حمل قلبه دون كلل ..

هنا المستحيل ممكنا .. يدلّك على هذا ثقوب الرصاص على جدران المنازل , ومع ذلك الكل آمن , فى جدلية أرهقت المحللين والسياسين ,, وأعيت أصحاب البنادق ..
وهنا الممكن مستحيل .. بيت الله بجوارك .. وندائه مرفوع على المآذن , لكن البيت لغير أصحابه مفتوح ,, والنداء لغير أهله مسموع ..

هنا الجرم مختلف .. والعقاب ليس من جنس العمل , القتل هنا ليس بإزهاق الأرواح وإنما بأوجاع القلوب , والسرقة هنا ,, سرقة وطن ..


هنا الطفل فى المعتقل والآخر بباحة المسجد ممسكا بالحجر ,, والأم تنظر إلى شاشات التلفاز عله يأتى بالخبر .. أما الأب فيتابع قضية مسجده وبيته وابنه .. وأخيه الذى يحتضر بعد أن خنقته قنبلة الغاز بالممر ..
هنا حكايا الجدات ,, وطرائف الشباب ,, ولعبات الأطفال ,, وضحكات البنات , تحكى معنى الوطن ,, والأمل ..

هنا .. أرض الرباط ومصدر المعجزات.. هنا ,,هنا .. بلادى !!

Monday, March 15, 2010

لحظة اعتقال


كان علىّ أن أجد إجابة مقنعة لسؤالها عن هؤلاء الأغراب الذين أتوا بيتنا ليلاً بتلك الطريقة المفزعة, حقيقة أشفقت عليها من الإجابة, ولم تطاوعنى نفسى أن أتركها تراهم .. لا أريد أن تحتفظ ذاكرتها بتلك الوجوه القاسية, ستنسى ملامحهم حتماً مع مرور الزمن, لكن ستبقى معانيها محفورة فى وجدانها ..

ستتذكرها, عندما يتشدقون بالحرية, وستسأل أين كانت حينما عبثوا بأشيائى وأخذوها دون عودة !!

ستتذكرها, عندما يتحدثون عن الأمان, وتتسائل ما معناه وهم يوأدونه بروح باردة فى نفوسنا يوماً بعد يوم !!

وأخيرا .. ستتذكرها وهم يغنون للوطن .. وبأسف ستسأل أين الوطن .. ربما هو أيضاً فى المعتقل ..!!

ولتلك الأسئلة وقع فى النفس مؤلم حقا, فلم أجد بداً من مواربة الحقيقة, هؤلاء فقط أغراب أتوا ليبحثوا عن شىء وسيمضون سريعاً .. اخلدى انتى للنوم ولا تتركى غرفتك ..

كان أملى فى ذلك أن يحترموا براءة الطفولة, ولا يزعجوها بوقع أقدامهم الثقيلة, ويتركوا غرفة إخوتى الصغار دون أن يقلبوها رأساً على عقب, ويرحلون دون أن اضطر إلى إخبار آلاء وأفنان عن هوية عابسى الوجه هؤلاء ..

لكن الأمل فى بلادى ممنوع, تعمدوا أن يوقظوهم, كما يتعمدون أن يجعلونا نذهب بأحلامنا إلى شواطىء مالطا, علنا نجد فيها يوما آمنا .. ومالم أستطع إخباره لآلاء , قالوه هم دون حياء أو مواربة, قالوا أنهم هنا من أجل الصدّ عن حماية مسجد ..

لم يتورع هذا البدين وهو ينفث دخان سيجاره أن يقول ذلك بإيماءات وجهه الغاضبة, ولا هؤلاء الأتباع وهم يبحثون بروح مضنية عن أى شىء يتحدث عن الأقصى, حتى أنهم لم يجدوا غضاضة فى أن يضموا لأحرازهم لوحة للشيخ القعيد ومن خلفه الأقصى ، وجدوا فيها دليل قوى لإثيات التهمة, لنسجل يوماً أن لوحة مكتوب عليها " الأقصى فى خطر " دليل اتهام فى قضية أمن دولة !!

الدولة التى لم تفتأ أن تستعرض لنا قوتها بإرسالياتها التى تبعثها وقتا بعد الآخر - حتى وصلنا إلى حد التساوى ما بين بيتنا ومعتقلاتها- لم تخجل أن ترى فى لوحة للقدس قلق على استقرار نظامها ..

هذا هو قلق الدولة .. أما قلقنا فكان من نوع آخر , قلق من تلك اللحظة المرتقبة التى يغادر أبى فيها البيت إلى المكان الذى عرفناه بالخبرة وألفناه بتكرار التجربة .. هذه هى لحظة الاعتقال الحقيقية, وأقسى اللحظات التى يمكن أن يحياها المرء فى بلادنا ..

اللحظة التى تتعلق أرواحنا فيها بالسماء, وقلوبنا بأبى الغائب عنا, وعيوننا بمن هم حولنا, اللحظة التى تبدأ بها رحلة أحداث ما بعد الاعتقال, وتنتهى أخرى كانت قد بدأت لتوها من أحداث ما بعد الافراج .. ثنائية تتبادل فيما بينها .. اعتقال وإفراج ..

وأشفقت على آلاء من قسوة تلك اللحظة, حسبت أنها أكبر من احتمالها , فكان حرصنا الدؤوب أن تبقي بعيدة عن محيطها, لكنها باغتتنا وفتحت النافذة , وتحت النافذة هناك جيش آخر غير الذى فى بيتنا ..

من هؤلاء ؟؟ ..كان سؤالها البديهى .. هؤلاء أتوا ليحرسوا الأغراب فى بيتنا, هكذا جاوبتها, وهروباً من تعبيراتها التى تخبرنى أنها غير مقتنعة, أردفت : كثيرة الأسئلة انتى .. نامى وفى الغد سأجيبك عن كل ما تريدين ..

لم تنتظر إلى الغد , سبقتنى إلى الخارج حيث لحظة الوداع, تعلقت بأبى طويلا ॥ واحتضنها أبى بشدة .. سألت " حضرتك رايح فين يا بابا ؟ " .. سكت أبى لحظة ثم قال : ربما .. إلى الأقصى

 
Designed by Lena Graphics by Elie Lash