Thursday, February 18, 2010

ريشة ألوان ..


ماذا لو كان لكل منا لوحة حياته ..
يبدو الـأمر مشوقا ,, وسهلا أيضا .. سيكون على هنا فقط أن ..اختار الألوان ,,اهيئ اللوحة واترك لخيالى العنان ..
استطيع بكل تأكيد أن ارى لوحتى .. سأجعل إطارها أخضر , فلهذا دلالة فى نفسى ,,

أما أشخاصها , فهناك من سأختار لهم الأبيض ,, وهناك من يناسبهم أكثر الرمادى ,, أما هؤلاء فلن أطيل البحث عما يليق بهم , سأتركهم هكذا مجردين من كل لون ,, معبرين عن أولى حقائق الحياة .. أن هناك من يجيدون الأكل على كل الموائد , ويتقنون لعب جميع الأدوار ,
أما الأسود فسأبتعد عنه قدر إمكانى , فأنا لا أحبه فى البشر ,, ولا أقبله فى لوحتى

سأجعل طريقى ممتدا بلا نهاية ,, كحلمى الذى لا يدرى بدايته ,, سأبحث له عن لون الأرض.. ممزوجا بلون الذكريات والعمر الماضى والآت ,,مخضبا بالدماء ,محملا بعبق قطرات الجبين اعرف أن الأمر يحتاج كثيرا من الجهد .. لكن أرضى تستحق ..!!

أما سمائى فستكون فى أبهى حلتها .. زرقاء صافية لولا تلك الغيوم البسيطة ,, تطل منها الأقمار والشموس , كل على قدره عندى ,, وسأجعلها صفحة وجهى تبدى منه ما تخفى ملامحى.. لتقول يوما كل مالم تسعفنى الأقدار أن أقوله ..

سأبحث للوحتى عن نهر هادىء , فأنا لا أحب البحار .. هوجاء مضطربة دائما وحقا تخيفنى ..!!
ونهرى سيكون بلون الحياة .. ولما لم يكن للحياة لون وانما هى مجرد انعكاس لألواننا , فسأجعله مزيج ألوان لوحتى جميعا , فربما أحقق حلما بأن اصنع لونا لايزال قادرا على الحفاظ على وهجه ورونقه وصفاءه مع طول السنين ومرور الأزمان وتكالب الأحداث ..

وزهور لوحتى ستكون مختلفة , إحداها على شكل نجمة , والأخرى تشبه قطرة الندى , أما الثالثة فعلى هيئة قلب نقىّ السريرة ,صفىّ الطوية ,والرابعة سأرسمها عينا مفعمة بالحيوية,لها من معانى التمرد ما لها , وبالطبع لن أنسى زهرة بنفسجية عرفت من خلالها معنى الجمال الأسنىّ ..

لن تخلو لوحتى من بعض الرتوش الفوضوية ,, نحتاج أحيانا إلى الخروج عن الإطار لنصنع شكلا مختلفا , ليس له معنى إلا فى نفوسنا , ولن يكون له معنى فى غيرها !!
أمسكت بريشتى و تنبهت ... انا لاأجيد الرسم .. بل لا أعرف حتى قواعده .. كانت نشوة رسم الحياة قد أخذتنى ونسيت .. انى لا افقه فى الرسم شيئا ..
وليس بعيدا عن ذاكرتى يوم الامتحان عندما طلبوا منا رسم المعركة فى الميدان ,
أخبرتهم ..: أنا لا أعرف عدوا , ولا أدرى ما معنى المعركة , ولم تختاروا لى الميدان .. ففى أى ميدان ومع أى عدو سأقاتل , هلاّ أخبرتمونى ما هو شكل السلاح ..!!

لم ينتبه المراقب إلى سؤالى ,ولم يحاول فهمه , فقط سمح لإحداهن أن ترسم لى معركتى كى أحصل على درجات النجاح ,, وأؤكد ,, لم تكن تعلم هى أيضا _ مثلى تماما _ ما المعركة , لكنها تعلم ماذا تعنى درجات النجاح !!

وبقيت أنا .. لا أقدّر درجات النجاح , ولا أجيد رسم المعارك , وعزفت عن الرسم أصلا .. حتى وجدتنى اليوم أحتاج إلي قواعده فى رسم لوحتى ..!!

وهنا لا يمكن الاستعانة بصديق,ليس فقط لأن اللوحة لا تحتمل ريشتان , _وهذا فى حد ذاته كفيل بإفسادها_ , ولكن لأن الحياة أيضا لم تعد محصورة فى فصل دراسى .. والأمر لم يعد مقصورا على درجات النجاح ..

لا بأس إذاً إن جعلت لوحتى محل اختباراتى الأولى وشاهد تجربتى فى الحياة ,, ولا غرابة إن جاءت غير متقنة الإحكام .. يكفينى انى أجهدت نفسى فيها,و لم أترك ريشتى لغيرى ,فأىً ما كان يعبيها , فلن يكون من عيوبها قطْ أنها مكررة التفاصيل ,, تقليدية الألوان ,, عبثية التخطيط .. وهذا يكفينى .. على الأقل إلى الآ
ن ...

Friday, February 12, 2010

إلى أين يذهب الحوت العجوز .. ؟؟!!


يلزم أن تحددى خانة بيضاء .. على مسافة معقولة , من حصوات رابضة فى قاع النهر
حصوات ..
ترقب الواقفة على الشاطىء ,, مشجوجة الرأس ,, تسمّى الأشياء بأسماء جديدة ..
لأن معجمها
_ الذى جلبته من التّبت _
لا يناسب سكان المدينة !!*

ترى هل سيفرق معها كثيرا أىّ نوع من الأثقال ستملأ به جيوب معطفها ..
لا أظنها فكرت فى الأمر , فمن هذا الذى يشغله مظهره الإجتماعى عند موته .. جثة محاطة بالأحجار أو الزمرّد .. لن يغنى هذا شيئا عن كونها مجرد " جثة " ..

جيوبها مثقلة بالحجارة الآن .. تتباطىء خطواتها نحو النهر القريب .. نظرة إلى منزلها الريفى البسيط .. إحكام قبضة على عصا تهديها الطريق .. لا مجال للتراجع فأنا قد أخذت القرار
مضت نحو النهر وأسلمت إليه نفسها .................

أظنكم ستختلفون معها فى توصيف قرارها .. هى رأته جريئا ,, شجاعا ,, قويا بما يكفى لينهى حياتها .. ليس لأنها تعيسة , ولكن لأنها تستمد سعادتها من شفقة الآخرين وهى امرأة لا يحتمل منها كبرياها مثل هذا .. والكبرياء خصم عنيد , يهزم حتى .. فطرة الوجود ..

تتوقف الحياة عندما يتوقف صداها .. هكذا تؤمن .. وأصداء حياتها توقفت بموت من حولها , فلم يبقى لها سوى زوجها .. يتحمل مسؤلية موتهم ,, وحياتها ..
أشفقت عليه فقررت الرحيل .. خوفا من إشفاقه عليها !!

يبدو الأمر غريبا , لكنه متكرر فى حياتنا فيما يشبه المعزوفة المتجددة ..
نفكر فى أمر , ويفكر غيرنا بالأمر ذاته .. تختلف الزاوية فتبدو الصورة وكأنها متناقضة .. فقط بعضا من الهدوء يمكنه أن يصنع التناغم .. لكننا وفى غمرة سكرتنا نضنّ على أنفسنا ببعضها .. وكأننا لا نستحق ..

أعطته فرصة لحظات الهدوء بعد أن سلبته حق اقتناصها .. قالت له " كل شىء ضاع منى , إلا يقينى بطيبتك .. لا أستطيع أن استمر فى إفساد حياتك أكثر .. " ولم تترك له خيار الرد .. خيارا واحدا فقط هى ما أعطته إياه _ إن صحّ أن نسميه خيارا_ .... نعى فى الجريدة اليومية ..

نتابع سيرنا بخطى حثيثة , لنثبت أننا قادرين .. نتجاوز ونتجاوز ,, حتى نصل إلى مرحلة اللامعافاة .. تلك المرحلة التى يلعب فيها الخوف دوره الأثير فى الحياة , فيبعث فى النفس كوامن المجابهة والتحدى , حتى إذا استنفذ قواها .. نستسلم ,, وتبدأ خطة جديدة ... لا للمواجهة وإنما للهروب الأخير ..

ولهذا اختارت لصديقها ريتشارد أن يهرب من مرضه المميت .. بقفزة من شرفة مسكنه , بدلا من أن ينتظر الموت _ مترقبا _ على سريره .. وكالعادة أسمتها قوة المواجهة .. ونسميها هروب الانتحار !!

ألم نقل بدءا أن معجمها .. لا يناسب سكان المدينة ...!!

يقولون أنه ليس هناك أدل على الحياة من وجوه البشر .. هكذا يقولون .. ووجهها يحمل الكثير من تفاصيل الحياة المحكمة .. يحمل عينان تنفذان إلى المستتر فى قلوب البشر .. وانف دقيق تشم رائحة الموت على بعد أميال وسنوات أيضا , فتتجاوز حدود الزمان والمكان , بعدما أزكمها بضحاياه .. اب وأم وأخ وصديق ... بيت وزرعة وذكرى رفيق .., أما الفم فقد تذوق طعم المرارة كما يتذوق سطح الحديد البارد قطرات الليمون ..

وفى هذا لا ينسى المرء ابدا ماضيه .. يظل يتذكر لحظات فرحه .. حزنه .. خوفه .. ألمه الأولى .. وللحظاتنا الأوائل ذكرى وأثر تدلل عليها الخواتيم .. فما النهاية إلاّ من صنع البداية .. وهى قالت ابتداءا " سوف تشترى الورود بنفسها " .. وختاما
" سوف تشترى الورود بنفسها .. لنفسها "

لا أحسبها لم تقاوم فكرة " عبثية الحياة " ,, بالتأكيد حاولت .. لكنها لم تؤتى منطق الأنبياء لتدحض الشواهد بالدليل الإلهى ..

هى قالت .. إذا كنتم ترون فى إنهاء حياتى خطيئة ... فأعطونى مبررات الحياة .. !!
لم ترى فى الكون بأكمله مبررا .. بل لم ترى ما هو أكبر من الموت والجنون ... ولم تنتظر عدالة السماء الحتمية ...
حتى أشخاص حياتها , رحلوا جميعا دون زوجها ... وهى قد رأت فى حياتها مزيدا من عذابه .. فأنهتها دون استئذان ..
ماتت فرجينيا وولف وتركت رسالتها ... رواية لم تكتب بعد ..!!

:::::::::::::::::::::::::
*
مقطع من قصيدة " جلباب أزرق " لفاطمة ناعوت

 
Designed by Lena Graphics by Elie Lash