Sunday, October 4, 2009

فاطمة و يوسف ...


يتلفت يمينا ويسارا بوجهه الملائكى ,, ينظر إلى ما حوله بعينين شاردتين تملؤهما الدهشة ...
يعود فينظر إلى وجه من تحمله , يطمئن قليلا ثم لا يلبث أن يعود إلى اضطرابه من هذه الوجوه المصطفة على مد البصر , فيبكى وكأنه يستغيث بأمه أن تبعد عنه نظراتهم ... لكنها تهدهده فليس باستطاعتها فعل ذلك ...
يستمر الطفل فى البكاء لايوقفه ملاطفة رجل بجانبه يقولون أنه رئيس الوزراء !! ...
يوسف لايعرف ماذا تعنى هذه الكلمة , فقاموسه لايحمل هذه التوصيفات , فالطفل له مفرداته الخاصة ...
يعرف جيدا معنى " محقق .. ضابط .. عسكرى " ,, يفهم دلالات " نيابة وإدعاء وقضاة "
والأهم والأكثر فخرا أنه عالم بدقائق أمور زنزانته .. والتى كانت إلى عهد قريب بيته الصغير ...
يألف جدرانها , ليس لأنها الشىء الوحيد الذى يراه دوما ولكن لأنه يظن أن الحياة بكل معانيها مختصرة فى حجارتها يحمل كل حجر معنى مختلف من معانى الحياة الكثيرة ...
يعاود النظر إلى أمه فاطمة , هذه المرة تحمل نظرته كل معانى العتاب الرقيق ...
لماذا يا أمى أتيتى بى إلى هذا العالم الصاخب ؟! .. ألم يكن بيتنا الصغير أكثر هدوءا .. صحيح كنتى تبكين فيه كثيرا وذلك عندما تعودين مع هذا العسكرى المكفهر الوجه من غرفة أسمعهم يقولون عنها " غرفة التحقيقات " ..
لكنى كنت أنجح فى إعادة ابتسامتك ... ألم أنجح يا أمى ؟!!

تذكرين يوم أن عدتى والدموع ملء عينيك , فحاولت كفكفتها بكفى الصغيرتين ,, ألم تجيبى محاولاتى ببسمة ارتسمت على وجهك باستحياء تحاول مغالبة الدموع ... فعرفت أن أمى مازالت بخير ... قادرة على هزيمة دموعها ....
كان يوسف لا يدرك معنى وجود كل هؤلاء الناس فجأة .. أين كانوا قبل ذلك ... أيخلق الله البشر هكذا ,, فجأة ؟؟!! ...
لم تجبه أمه فقد كانت مشغولة بإلقاء كلمتها على مجامع غفيرة جاءت لترى فاطمة وابنها يوسف ..
حاول الولد الانشغال بالنظر إلى اعلى .. يمسك بأمه ,, يحاول أن يسألها عن هذا البساط الأزرق الذى فى الأعلى .. لكن لغته لا تسعفه ..
يظل يفكر .. أين سقف الحجارة ؟؟ .. ما كل هذا الضوء الآتى من ذلك القرص الذهبى .. هناك فى بيتنا القديم كان الضوء يأتينا من شباك حديدى .. وهنا فى هذا العالم الجديد يأتيهم الضوء من قرص ذهبى ... سبحان الله !!
انتبهت الأم لطفلها وأدركت أنّ عليها إفهامه ملامح هذا العالم الجديد ...
عليه أن يعرف أن هناك سماءا وأرضا , والاثنان ملك لخالقهما ...
وأن من البشر يوجد غيرها .. توجد الخالة والعمة والجدة والجد .... ويوجد الأب
عليه _بصعوبة_ أن يدرك أنا ما كان يحمله الجندى على ظهره فى الزنزانة لم يكن لعبة ... وإنما رشاشا يمكن أن يصوبه ذات يوم تجاه رأسك وقلبى ..
وأخيرا .. يا يوسف عليك أن تتعلم أن هؤلاء الملايين الذين ينظرون إليك كانوا قد نظروا إلى الأقصى قبلك ولم يتحركوا ..
أما هؤلاء المصطفون بجوارك , فهم الوحيدون الذين تحركوا من أجل أن ينظر الآخرين نظرة الفرح تلك .. فعليك ردّ الجميل والاحتفاء بهم ..
لا .. لا يابنى لايكون الردّ هكذا ,, فهؤلاء لاتكفيهم الابتسامة ولا ينتظرون منك كلمات الشكر والثناء .. فهى لاترضى طموحهم ..هم يريدون فعلا من جنس فعلهم .. حركة كحركتهم
حتى إذا ما دارت الأيام واكتفى هؤلاء الملايين بنظرتهم المعهودة ,, تقف أنت هنا وبجوارك طفل يبكى على ذراع أمه متسائلا ... من أين جاء كل هؤلاء البشر ؟؟!!

 
Designed by Lena Graphics by Elie Lash