Tuesday, June 23, 2009

سور الشجرة ...


رجل كبير على وجهه ترتسم ملامح الزمن بكل تفاصيله , وفى عينيه ترى لمعة هى نور بصيرة يلحظها كل من يراه ... وإن كان للمرة الأولى

, أما خطوط الجبين فهى تبين بما لايدع مجالا للشك أنها تكونت بالتجارب والخبرات , تحمل حكمة لا تخفى على أحد ,, تقول بلغة لا يفهمها كثيرون .. أنا علامة حياة هلا أستفدتم منها !!

أراد الرجل الكبير أن يغرس "بذرة " تركها له آباؤه وأوكلوا له مهمة غرسها .

.اختار الرجل لبذرته التربة الصالحة والفأس الأقوى ومن قبلهما شحذ همته واستوثق من قوته , وقرر أن يكون زارعا لامنتظرا لحصاد !
ظل يحفر ويحفر ... الأمر بدأ يطول .. يبدو أن الأرض كانت تقاوم , فهى ربما تخشى من أن تتحمل نبتة لاتعلم متى ولا كيف ستكون ؟؟!
الغرس أيضا أخذ جهدا , فالرجل الكبير كان يريد أن يصل إلى أعمق أعماق الأرض , فهو على كبره كالطفل يخاف على حلمه , كما أنه حكيم يعلم تماما أن البذرة يجب أن تكون عميقة , لأنه وبكل تأكيد سيأتى من يحاول اقتلاعها ..


نجح أخيرا فى غرس بذرته ,,, ظل يردم طويلا فى التربة ويسوى فيها ويعدل من هنا وهناك .. فهو قلق على بذرته ... يعلم أن مثل هذه البذرة يجب أن يكون لها أعداؤها

ظل يرويها يوما بعد يوم بروية وحنان أبوة ,, اختار الطريقة الأصعب فى الرى , كما اختار من قبل الطريقة الأصعب فى الغرس لأنه كان يرى أنه على قدر المشقة تقوى النبتة

وهو يريد نبتته قوية ,,, قوية جداا فهى نتاج حياته بكل ما فيها من آلام وآمال , وخبرات ونجاحات بلحظات السعادة والشقاء والفرح والألم .. فيها تجارب السنون ونواميس الكون وفطرة الخلق كلها ..,

البذرة أيضا فيها حلمه ومستقلبه المنشود فيما وراء الزمن .. يرى فيها ملامح أبنائه وضحكات أحفاده وسعادة من رحلوا قبله وتركوا له مهمة الغرس

ظهر البرعم الأخضر أخيرا ... يذكر التاريخ هنا أنه من المفارقات أن كان موعد حياة البذرة هو نفسه موعد موت زارعها ... مهمته قد انتهت إلى هنا !!

وكان قبل موته قد أوصى أبناؤه برعاية البذرة , لكنه غفل عن أن يعلمهم كيف يرعوها .. انشغل كثيرا بإحكام الغرس فى التربة وتناسى غرس البشر !!..

عوّل على أن الرعاية أسهل من الغرس .. إذن هو ترك لهم المهمة الأسهل .. لا يستدعى هذا بذل مجهودا أكبر

هم أيضا لم يحاولوا أن يسألوه .. تركوه يغرس وظنوا أن بإمكانهم إستدعاء الخبرة من الأجهزة الحديثة !

وكما ظن ظنوا وكما لم يعطى لم يسألوا ..

لكن التاريخ يسأل عن شجرة كبيرة تمتد فروعها فى كل الأرجاء وتضرب بجذورها أعماق الأرض وتكاد أن تصل إلى عنان السماء بطولها , لكنها دوما معرضة لخطر الاقتلاع ,,
ذلك لأن الرجل الكبير لم يسورها بما يحميها , ولم يعلّم أبناؤه كيف يحموها , ويبدو أن الأحفاد جاءوا فنسوا تماما أمر السور وتركوا الشجرة فى مهب الريح .. اعتنوا كثيرا بالفروع فى حين غفلوا عن الجذر

صحيح أن الجذر قوى, يكفى أن على أكتافه استطاعت الشجرة أن تصمد كل هذه الفترة ... لكن الشجرة الآن أصبحت أكبر من أن تعتمد على قوة الماضى .... تحتاج إلى سور يحميها ؟!!

ما أفكر فيه الآن .... ما هو السور الأنسب ,, ما هو شكل درع الحماية الأصلح ...هل هى التربية .. التنظيم اللامركزى ... فصل الدعوى عن السياسى ..أم ... ,,
حقيقة لاأعرف فأنا مازلت أفكر ؟؟ وزهقت من كتر التفكير :(

6 comments:

أحمد أبو خليل said...

بعيدا عن صخب (الواجهة / الفيس بوك) أحببت أن أعلق هنا ، بعدما قرأتها كلمة كلمة ، بل قرأتها من فكيراتى قبل أن أقرئها من أحرفك ، وبعد أن طالعت كل الآراء والمشاغبات ، السور أم الشجرة ، له بابا أم له أشواك ، نحمى من الخارج أم من الداخل ، أسئلة طالعتها بحيرة تزداد مع واقع صديقى الذى اعتقل منذ أيام قلائل ولا نملك له حيلة حتى الآن ، لو كنت قرأت قبل تلك الحادثة لكنت جادلت ونظرت ، ولكن هيهات الآن .

مبدئيا أحاول أن أذكر نفسى بأن الشجرة كانت قليلة الأعداء فى الماضى ، والفرق واضح بين قوة الأعداء وبين عددهم ، فالعدد يشتت ويجعل الشجرة مضطرة للدفاع طوال الوقت ، وأفرعها وأوراقها منشغلة بأن تفسر العداءات وأن وأن .. ، حصر العدو وإن كان قويا يجعل إمكانية الباب فى السور أوسع وأكبر ، فتضرب بسور لمن يريدها غيلة من خلفها ، سور قوى شائك لا هوادة فيه ، وتفتح للكل من أمامها .

لا أصدق أننا لهذا الحين نخفت بصوتنا فى كل مكان عام كان أو خاص عندما ننطق باسمها ، أو نتذكر غارسها ، أى جو عدائى وضعنا فيه أنفسنا نحن ! ، حتى أصبحت الشجرة شبح هائل ، موحش الظل ، بعيد الثمر ، غائر الأمواه .. وآه ثم آه .. أطلت وما بلغت معشار ما أردت :(

مصعب الجمال said...

معلش هاكتب الرد تاني هنا .. أصله طويل والفيسبوك مقطعه كذا حته (:

أولاً : بخصوص طريقة عرض الفكرة .. فهي رائعة بمعنى الكلمة في طريقة العرض وطريقة التشبيه
ثانياً : بالنسبة للشجرة
أعتقد أن تلك الشجرة حين بذرها ذلك الرجل الحكيم كان يغرس بذرة يرى ببريق بصيرته أنها ليست ملكاً له ولأبنائه وأحفاده فقط .. وإنما هي ملك للبشرية .. تُظل الجميع .. يأكل من ثمارها الجميع .. يسقيها الجميع
لذلك فالمبالغة والظن بأن الحل في الحفاظ على الشجرة هو وضع السور .. ربما سيكون حاجزاً بينها وبين من يريد أن يصل إليها.
إذن السؤال كيف نحافظ عليها بدون سور ( بدون طريقة تسبب حاجزاً بين الشجرة وبين كل الناس )
قد يكون من الحفاظ على الشجرة أن نغير تربتها ..
قد يكون من الحفاظ على الشجرة أن نقصف فروعها الذبله لينبت غيرها ..
قد يكون من الحفاظ على الشجرة أن نتأكد من أنها مازالت ضاربة بجذورها في أعماق الأرض .. فربما كانت عوامل التعرية سبباً في أن تتعرى جذورها ..
قد يكون من الحفاظ على الشجرة أن نقطف ثمارها الناضجة - بدلاً من أن نتركها تسقط على الأرض - نستفيد منها ونبذر بذورها بجوار نفس الشجرة فيصبحوا أشجاراً تحمي بعضها بعضاً
قد يكون من الحفاظ على الشجرة أن يدرك ويعي أبناء وأحفاد الرجل الحكيم بأن جدهم كان يقصد أن تكون الشجرة ملكاً للجميع .. وحين يدركوا ذلك سيتخففوا من أزمة الشعور بأن عليهم – وحدهم – حماية الشجرة ..

ربما مجموعة الاحتمالات التي طرحتها تزيدك حيرة إلى حيرتك .. لكني أعتقد أنه وبما أن الشجرة ملك للجميع .. فطبيعي جداً أن تتفاوت وجهات نظر مالكيها في كيفية الحفاظ عليها .. لكن الأهم أن ينفذ ويطبق ويساهم كل شخص بالطريقة الأنسب في كيفية الحفاظ على الشجرة

أنفاس الصباح said...

رائع
الفكرة والتعليقان
تعليق الاخ أحمد ركز على الحماية الخارجية
ولعله وجد الحل فى الجهر بنشر الفكرة بايمان واعتزاز

تعليق الاخ مصعب

تعرض للحماية من الداخل ولعله يرى التجديد الداخلى لكل ما
هو قديم وذابل

هما معا

وغيرهم سيكون رائع طالما ان مبعثها قلوب تشعر بالمسؤلية وتعتز بهذا الارث
وتحافظ عليه
تذود عنه وتحميه
المهم ان نستمر
هذا هو السياج الحامى من موت الشجرة او اجتثاثها
يجب ان نستمر نحن و من سيرث منا هذه المسؤلية

دمتم مخلصين

مصعب رجب said...

تحياتي على المقال
وأعتقد أن الأسئلة الأخيرة عند الدكتور إيهاب إبراهيم ربما تساعدك على الوصول إلى إجابة
أو ربما تمنحك مزيدا من تعب التفكير

وعلى أي حال أنا أتفق كثيرا مع كلام المهندس مصعب الجمال

جزاكم الله خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

محمد said...

** عندما قرأت مقالتك, تذكرت مقالة كتبتها منذ فترة, كانت بأسلوب مشابه.. ولكن ليست بنفس الحجودة بالطبع..

http://lafetat.blogspot.com/2008/01/blog-post_06.html

** عندما مات الزارع, فإن البذرة كما ذكرتِ كانت قد كونت برعما, لذا فإنه من الطبيعي عندما يوصي أبناءه, أن يوصيهم برعاية النبتة, لا رعاية البذرة, فالبذرة قد تحولت فعلا..

أخبرك أمرا.. من عجائب الزرع, أن مكونات التغذية, وعناصر التقوية, لا تتغير كثيرا باختلاف المرحلة, بمعنى ان مرحلة البذر, أو البرعم, او النبتة الكاملة, لا يختلف عناصر تغذيتها, هي فقط تحتاج لماء وهواء وضياء.

الرعاية ليست الجزء الأسهل, وإلا كانت التربية أسهل من إنجاب طفل.. لذا أظنك ظلمتي الزارع حين قلت أنه "عوّل على أن الرعاية أسهل من الغرس", فرؤيته التي دفعته لاتقان الغرس والرعاية, تخبره أن الرعاية تكون أصعب..

حتى انك حين تحدثتي عن ورثته, قلت "هم أيضا لم يحاولوا أن يسألوه .. تركوه يغرس وظنوا أن بإمكانهم إستدعاء الخبرة من الأجهزة الحديثة ".. وأظن أن من أتوا بعده حملوا نهجه في رعاية النبتة, وإلا لما وصلت هذه الشجرة ما وصلت, وما استمرت حياتها لما يقرب من ثمانين عام.. ولا زال فيها نبض الحياة.. كذلك فإن كثيرا منهم زاد كثيرا على ما ترك الزارع.

"وكما ظن ظنوا وكما لم يعطى لم يسألوا .."
أختلف معك هنا..
السؤال أساس العلم, فلا يوجد عالم انتج علما, دون ان يَسأل, أو يُسأل.. كذلك أرى أن الاختلاف سنة كونية, وهي سنة محمودة ولكن في حدود, والجماعة, أو الرعاة.. قتلوا بعض المسائل التي تركها السابقون بحثا, وإن وجدوا ما يخالف مبادئ الجماعة, ومن باب أولى تعاليم الإسلام, فتأكدي أنك لن تجديه.. كذلك.. أسألك.. ما أدراك انهم لم يسألوا ؟؟ أم أنك تقصدي جيلنا ؟؟

تعليقا على نقطة عدم الحماية..
أحيانا يكون حماية النبات, برعايته, والرعاية منها الإصلاح, والتربية, وهذه كلها مقومات لزيادة عمر النبتة, وزيادة حجمها, ومتانة جذعها, وفروعها.. وهنا يجب أن نفرق بين الأخطار الداخلية, والخارجية, وأنا أرى أن جزء كبير من هذه الأخطار يتعلق بالداخل, فإن صلح الداخل, فبالتأكيد سيستطيع إصلاح الخارج, والتعامل معه. والجزء المتبقي, فيخضع لحسن تصرف هذه النبتة, فتميل يمينا حينا, وتميل يسارا حينا آخر, تورق حينا, وتخفي حياتها حينا آخر, فتظهر كمن يعمل في الخفاء, وفيها أصل الحياة.

لا أدري لم السور ؟؟
وهل صنع من قبل سور لحماية فكرة ؟؟
أرى أن الأفكار تقيدها الأسوار, ولكن يقويها التنفيذ, والمثابرة, والتركيز على هدف الوصول, وأرى أن الوسيلة والغذاء الذي أنبت شجرة بهذا الحجم, قادر أن يحافظ عليها.. بشرط الحفاظ عليه, والمداومة على الارتواء منه..

هل العيب في النبتة, أم في الأرض, أم فينا ؟؟

أمر أخير.. ترى هل هذه الشجرة مقدسة في ذاتها ؟؟ أم أنها زرعت لتورق, وتثمر, وتنشر ظلها على البشرية جمعاء ؟؟ أي أنها وسيلة, ولكن.. لا بد منها.

جزاك الله خيرا
:)

آسو الحياة said...

ماشاء الله فعلا رائعة يا فزلوكة
سلمت يمناكى يا قمرررررررر
ولكن
(ما هو شكل درع الحماية الأصلح.)
أعتقد أن درع الحماية تقريره يختلف من شخص لأخر ومن دعوى لأخرى ومن فكر لفكر ومن تشكيلة دماغ وبيئة لأخرى غيرها فلا نستطيع أن نحكم ماالأنسب والأ حكم والأأمن الا اذا كان الهدف واحد والرؤية تتطابق وتهدف معااا لما فيه الأ صلح
..............
وحشتينىىىىىىىىىىىىىىى

 
Designed by Lena Graphics by Elie Lash