Friday, February 12, 2010

إلى أين يذهب الحوت العجوز .. ؟؟!!


يلزم أن تحددى خانة بيضاء .. على مسافة معقولة , من حصوات رابضة فى قاع النهر
حصوات ..
ترقب الواقفة على الشاطىء ,, مشجوجة الرأس ,, تسمّى الأشياء بأسماء جديدة ..
لأن معجمها
_ الذى جلبته من التّبت _
لا يناسب سكان المدينة !!*

ترى هل سيفرق معها كثيرا أىّ نوع من الأثقال ستملأ به جيوب معطفها ..
لا أظنها فكرت فى الأمر , فمن هذا الذى يشغله مظهره الإجتماعى عند موته .. جثة محاطة بالأحجار أو الزمرّد .. لن يغنى هذا شيئا عن كونها مجرد " جثة " ..

جيوبها مثقلة بالحجارة الآن .. تتباطىء خطواتها نحو النهر القريب .. نظرة إلى منزلها الريفى البسيط .. إحكام قبضة على عصا تهديها الطريق .. لا مجال للتراجع فأنا قد أخذت القرار
مضت نحو النهر وأسلمت إليه نفسها .................

أظنكم ستختلفون معها فى توصيف قرارها .. هى رأته جريئا ,, شجاعا ,, قويا بما يكفى لينهى حياتها .. ليس لأنها تعيسة , ولكن لأنها تستمد سعادتها من شفقة الآخرين وهى امرأة لا يحتمل منها كبرياها مثل هذا .. والكبرياء خصم عنيد , يهزم حتى .. فطرة الوجود ..

تتوقف الحياة عندما يتوقف صداها .. هكذا تؤمن .. وأصداء حياتها توقفت بموت من حولها , فلم يبقى لها سوى زوجها .. يتحمل مسؤلية موتهم ,, وحياتها ..
أشفقت عليه فقررت الرحيل .. خوفا من إشفاقه عليها !!

يبدو الأمر غريبا , لكنه متكرر فى حياتنا فيما يشبه المعزوفة المتجددة ..
نفكر فى أمر , ويفكر غيرنا بالأمر ذاته .. تختلف الزاوية فتبدو الصورة وكأنها متناقضة .. فقط بعضا من الهدوء يمكنه أن يصنع التناغم .. لكننا وفى غمرة سكرتنا نضنّ على أنفسنا ببعضها .. وكأننا لا نستحق ..

أعطته فرصة لحظات الهدوء بعد أن سلبته حق اقتناصها .. قالت له " كل شىء ضاع منى , إلا يقينى بطيبتك .. لا أستطيع أن استمر فى إفساد حياتك أكثر .. " ولم تترك له خيار الرد .. خيارا واحدا فقط هى ما أعطته إياه _ إن صحّ أن نسميه خيارا_ .... نعى فى الجريدة اليومية ..

نتابع سيرنا بخطى حثيثة , لنثبت أننا قادرين .. نتجاوز ونتجاوز ,, حتى نصل إلى مرحلة اللامعافاة .. تلك المرحلة التى يلعب فيها الخوف دوره الأثير فى الحياة , فيبعث فى النفس كوامن المجابهة والتحدى , حتى إذا استنفذ قواها .. نستسلم ,, وتبدأ خطة جديدة ... لا للمواجهة وإنما للهروب الأخير ..

ولهذا اختارت لصديقها ريتشارد أن يهرب من مرضه المميت .. بقفزة من شرفة مسكنه , بدلا من أن ينتظر الموت _ مترقبا _ على سريره .. وكالعادة أسمتها قوة المواجهة .. ونسميها هروب الانتحار !!

ألم نقل بدءا أن معجمها .. لا يناسب سكان المدينة ...!!

يقولون أنه ليس هناك أدل على الحياة من وجوه البشر .. هكذا يقولون .. ووجهها يحمل الكثير من تفاصيل الحياة المحكمة .. يحمل عينان تنفذان إلى المستتر فى قلوب البشر .. وانف دقيق تشم رائحة الموت على بعد أميال وسنوات أيضا , فتتجاوز حدود الزمان والمكان , بعدما أزكمها بضحاياه .. اب وأم وأخ وصديق ... بيت وزرعة وذكرى رفيق .., أما الفم فقد تذوق طعم المرارة كما يتذوق سطح الحديد البارد قطرات الليمون ..

وفى هذا لا ينسى المرء ابدا ماضيه .. يظل يتذكر لحظات فرحه .. حزنه .. خوفه .. ألمه الأولى .. وللحظاتنا الأوائل ذكرى وأثر تدلل عليها الخواتيم .. فما النهاية إلاّ من صنع البداية .. وهى قالت ابتداءا " سوف تشترى الورود بنفسها " .. وختاما
" سوف تشترى الورود بنفسها .. لنفسها "

لا أحسبها لم تقاوم فكرة " عبثية الحياة " ,, بالتأكيد حاولت .. لكنها لم تؤتى منطق الأنبياء لتدحض الشواهد بالدليل الإلهى ..

هى قالت .. إذا كنتم ترون فى إنهاء حياتى خطيئة ... فأعطونى مبررات الحياة .. !!
لم ترى فى الكون بأكمله مبررا .. بل لم ترى ما هو أكبر من الموت والجنون ... ولم تنتظر عدالة السماء الحتمية ...
حتى أشخاص حياتها , رحلوا جميعا دون زوجها ... وهى قد رأت فى حياتها مزيدا من عذابه .. فأنهتها دون استئذان ..
ماتت فرجينيا وولف وتركت رسالتها ... رواية لم تكتب بعد ..!!

:::::::::::::::::::::::::
*
مقطع من قصيدة " جلباب أزرق " لفاطمة ناعوت

1 comment:

رفيدة الصفتي said...

جميلة جدا

تابعتها على الفيس بوك :)

ربنا يوفقك ياقمر

 
Designed by Lena Graphics by Elie Lash