Sunday, October 3, 2010

من شباك الطائرة ..


أنا لى سماء كالسماء ,, صغيرة زرقاء ,, فيها الذى تدرون من صفة السماء ,, فيها علو وإنكفاء وتوافق الضدين من نار وماء ,, فيها نجوم شاردات كالظباء" ,,*

هل لغيوم السماء التى أنا بينها الآن أن تسمعنى وتنقل عنى هذا لسمائها ,,!!

هل لى وهى تحملنى أن أمتّن لها على ما تحييه فى داخلى بمجرد أن أرفع ناظرى إليها وقت سحور أو شفق أو غروب ..!!

هل يسعدها ان أخبرها أنى على كل حالاتها ,, أحبها ,, صافية كانت أم غائمة ,, تتوسطها الشمس أو يبهيها القمر ,,محلاة بالنجوم فى فخامة راقية أو خالية منها فى بساطة رائقة ,, تحتبس دموعها سحابا أو تنزلها قطرا باردا ,,

السمـــــــــاء ,, هى دائما الأقرب على بعدها ,وهى فى القرب وعلى البعد, ودودة حانية ,, تظلل الأكفة كل وقت وحين وكأنها مع الداعين تدعو وتشفع ,, شفقة بهم ورأفة بحالهم ..

وهى الكريمة لاتبخل بجودها على أحد ,, ولا تضن بظلها على بشر .. لاتملّ أبدا تفاصيلك الصغيرة عند الحكاية ولا تتبرم حنقك عند الغضب ,, لاتسخر من مشاعرك ولا تهزأ بأفكارك الم

جنونة ,, بل تستمع فى صمت مهيب ساكن ينقل لك من هدوءه ما يجعلك تخفض عينيك اللامعتين عنها بابتسامة قلما تتسلل إلى النفس المجهدة ..

و فى السماء الجمال يتحدث عن نفسه , فتجدها على صفحة البحر تضع بصمتها ,, تضفى عليه من رونقها حلا وبهاء , حتى إذا زارتها النجوم ليلا , جعلت من رمال الصحراء المقفرة لوحة فنية بديعة لا تمل النظر إليها والاستمتاع بها ..

و فى السماء معنى الكبرياء ,, بغير أعمدة تنتصب فى شموخ ,, تثق أنه ومهما حدث تحت ناظريها لن تنطبق أرضا إلا وقت أن يأذن خالقها ,, فهى فى اطمئنان دائم ,, ربما هذا هو سر هدوءها الساحر ,,

ومع ذلك فالهدوء ليس هو السحر الوحيد فى السماء ,, وما تلك البراءة التى تحميها أرضا وتحفظها جوا وترسلها بشرى تتلون بألوان الحياة بعد غيث أنعم الله به على عباده ,, فتجد أنامل أكفٍ صغيرة ممدوة إلى أعلى تشير إلى هديتها ,, " قوس قزح " ,, يبهج قلوبا غضّة طرية مازالت تقنع بالجمال فى السموات العلى ,, وتجد فى خطوط السماء فرحة تملأ قلبها ,, أليس هذا فى عالمنا سحر متقن ..!!

وماذا يمكننا أن نسمى السماء وهى تو

دع الشمس حزينة وتستجير بها أن لا ترحلى فمازال هناك من هم بحاجة إلى نور أشعتك ليأنسوا ,, فكأنها تخاف عليهم رحيل يوم من أعمارهم مازالوا بحاجة إلى لحظاته ,, تستأذنها وتأبى الشمس مخالفة مواعيدها المقدسة فى مشهد مهيب يخطف القلوب ويذهب بالألباب ,, أيكون هذا غير ضرب من ضروب السحر .. !!

لكن سحر سمائى آمن ,, لايستفز خوف النفس , بل يحتويه ويهدهده حتى يحوله طمأنينة واستمتاع يجعل من لحظات صحبتها زادا وملأا لفراغ أرواحنا المحاطة بمخاوف الحياة ,, وليس لغير السماء أن تفعل مثل هذا ,, أقولها عن يقين ,, فالبحر على جماله وروعته لن يمنحك الأمان وأنت بين أمواجه الثائرة المتلاطمة ,, بينما لم أجد فى السماء خوفا سوى أن تنقضى لحظاتى فيها ,, !!

و أجمل ما فى سحر السماء أننا نراه بعيوننا وعيونها , فهى لاتترك المجال لأحد أن ينوب عنها , ولا تعطى من أسرارها إلا لمن أراد فيها معنى مختلف وزاوية أخرى ,, فيراها كل بما يجد فى نفسه ,, أحسب أن كل من يشخص ببصره إليها يرى فيها مالا أراه ولا يراه غيره,, وهى تحتمل ذلك ,, تحتمل كل معانى القلوب وأفكار العقول ,, تحتوى عيون البشر جميعا ,, فقط إذا أسلموا أنظارهم إليها .. ليضيفوا إلى سمائهم " ياء الملكية " .. !!

مازلت انظر من شباك الطائرة الصغير إلى "سمائى " ,, إلى ذلك البساط الأزرق الممتد بمد أبصارنا لا ننقطع عنه ولا ينقطع عنا ,, تتجاذبنى الأفكار ,, وتجىء المعانى بى وتذهب ,, فألتقط بعضها وأبوح به لنفسى معنى جديد أسجله فى ذاكرتى علّى أحتاج إليه يوما, واترك البعض الآخر مبهما ,, عصيا على الفهم , أشعر به دون أن ألمسه,, فبعض ما فى النفس إذا عرفناه عوقبنا بحرمانه .. !!

وأنا بين هذا وذاك يشغلنى ما بدأت به رحلتى ,, " هل لغيوم السماء أن تسمعنى وتنقل عنى هذا إلى سمائها .. !! "

لم يزل السؤال يؤرقنى حتى قطعه ذلك الصوت الذى أعرفه ,,ليعلن أن قد بدأ الهبوط ,, وأن موعدنا مع السماء انتهى ,, حينها فقط تنبهت ,, مثل هذه السماء لاتنتظر منى و وصفا يجمّلها أو شكرا يضيف لها أو امتنانا يرضى غرورها ,, ليس لأنها لا تستحق ,, بل لأنها أكرم من أن تنتظر ,,

فيكفيها من الثناء أن نقول هى .... السمـــــــــــــاء ..

::::

* من قصيدة " أنا لى سماء كالسماء " لتميم البرغوثى


LTA3 ,,,أمة الخير

" لاتعدم الخير فى إنسان قط "
لا زالت هذه الجملة ترن فى أذنى على عمق ما أثارته فى من تفكير اخذ يتسع على مدار أيام الأكاديمية وما بعدها ,, حتى يمكننى القول أنه أخذ منى الكثير واعتقد أنه مازال قادرا على الأخذ لما تحتمله الفكرة من معانى ترتبط بنظرتنا " للإنسان " ,,

هذه جملة الشهيد سيد قطب ,, قالها وهو فى محنته ونقلها لنا دكتور عادل الزايد فى محاضرته الرائعة عن عوائق الإنجاز ,, على ما أعرفه عن الشهيد لم أكن أعرف عنه هذه الجملة ,, فكانت هذه هى المرة الأولى التى أعلم فيها بهذا المعنى عنه ,,
لم تكن جملة كهذه لتأخذ هذا الحظ من التوقف لولا أنها جاءت فى محاضرة تتحدث عن عوائق الإنجاز نقلا عن الشهيد سيد قطب ,, وللشهيد فى نفسى تساؤلات لم تجد إجاباتها فى كتابات مريديه ولا حتى المختلفين معه ,, أسئلة تبحث عن إجاباتها عند الشهيد نفسه ,, ومازالت تبحث ..
لذا كانت هذه الكلمات _ على قصرها _ كفيلة بأن تجيب على أسئلة وتفتح أخرى ,,

وأول ما أثارته كان مرتبطا بملابسات قولها ,, كيف يمكن لإنسان يعانى ما عاناه سيد قطب فى ظلمات السجن ويرى أن الخير مازال حاضرا فى الإنسانية بهذا الشكل ,, بل ما هو أكثر ,, كلماته بها نفى آمر ,, وكأن الجزم بوجود الخير هو الأصل ,, وعندما لا أجده فالخطأ ليس من عند الآخر وإنما من عندى ,, أنا من لم أستطع أن أبحث عنه بالشكل الصحيح ,, فالقصور مردود إلى أولا وأخيرا ..!!
..
هل يمكن لطاقة إنسانية أن تحتمل هذا ,, ؟؟ ,, أن تتغاضى عن شر السلبية والصمت الجبان ,, وأن تتجاوز فكرة شرور الإنسانية وهى فى زنزانة يملئها الخوف وتحيطها كرابيج السلطان ,, والمجتمع فى الخارج يهتف بحياة هذا السلطان العادل ..

بالتأكيد الأمر لا يتعلق بشخص الشهيد وإنما متعلق أساسا بفهمه _ وفهمنا _ لمعنى الخير ,, بنظرته _ ونظرتنا _ إلى مفهوم " الإنسانية " ,, بتصوره _ وتصورنا _ عن دورنا تجاه هذه الإنسانية وهذا الخير ..
ومع كل يوم كان يمر بالأكاديمية نستزيد فيه من مهارات القيادة ونتعلم فيه قواعدها وآدابها,, والمعنى يكبر ويكبر فى نفسى ,,
كيف يجب أن ترى القيادة الخير فيمن حولها ,, وإذا رجعنا لما هو أكبر باعتبارنا قادة الإنسانية بما نحمله من رسالة هى فى أصلها " رحمة للعالمين " فكيف لنا أن لا نعدم الخير فيها وسط هذا الفساد الذى يحوط جوانبنا ..!!

أفكر فى هذا وأضع بين عينى أننا أحيانا وسأبتعد هنا عن التعميم تماما ,, نحصر الخير فى انتماء فكرى أو حركى معين ,, نختصره فى مظهر أوسلوك ,, نؤطره داخل صندوق ضيق لايتجاوزه ,,
أفكر فى هذا وأنا متلبسة بأولى درجات اليأس من مجتمع مازالت تلفه السلبية وتبتعد عنه بمراحل أفكار التغيير والإصلاح والتضحية .. بل إنه فى بعض الأحيان يحاسب الضحية ويأخذ على يدها خوفا من الجلاد وطمعا فى بعض إحسانه ,,

يأخذنى عقلى من موقف الشهيد إلى موقفى ,, ومن محنة السجن إلى مهمة التغيير والإرتقاء والإصلاح ,, ومن هذا إلى ذاك يزداد التفكير حدة واتساعا ,,

حتى تنبهت إلى ما حولى ,, إلى 130 طالب من مختلف دول العالم ما أتى بهم إلى هذا المكان إلا خير يحملونه داخلهم ,, وخير يبغونه للناس من حولهم ,,

أفكار ورؤى وثقافات مختلفة بل قد تكون متباينة كأشد ما يكون التباين ,, لكن فى الجميع خير كامن استطاع أن يكشف عن نفسه , ويصدق " الخير فى وفى أمتى إلى يوم القيامة "

إذا ربما هؤلاء الذين نعتب عليهم لم يملك خيرهم القوة الكافية ليثبت ذاته ,, لكن الأصل ان الخير بهم موجود ,, فقط يحتاج من لا يعدمه بأن يراه بزاوية أوسع تستوعب جميع انواع الخير ,, يحتاج إلى نفاذ بصيرة ليوظف فى مكانه المناسب ,, ويحتاج أيضا إلى طاقة ربانية ليقوى على الاستمرار ويتحمل مشقة البحث عنه داخل النفس الإنسانية,,

بهذه الزاوية يمكننى أن أفهم قول الشهيد سيد قطب فى غياهب محنته " لا تعدم الخير إنسان قط " ,, وبها أيضا يمكننى أن أرى مجتمعى والناس من حولى بنظرة مختلفة ,, تلك النظرة المسؤولة التى نظر بها سيد قطب إلى الإنسانية جمعاء وأقر بها الخير ,, ومن قبلها النظرة التى حملنا مسؤليتها الرسول " صلى الله عليه وسلم " عندما جعل الخير فينا إلى يوم الفصل ,_ ومن يحمل الخير عليه مهمة نشره والبحث عنه _,,, وهى النظرة نفسها التى نحملها باعتبارنا خير أمة توقفت خيريتها على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ,, وما الامر بالمعروف والنهى عن المنكر إلا وجه من وجوه الخير نحمله بين ثنايا أمتنا .. لتبقى خير أمة ,, هى أمة الخير ..

 
Designed by Lena Graphics by Elie Lash