حينها تتأكد أنه لن يرفع اللا فتة غيرك , وتدرك أنها ثقافة شعب
عندما تجد سائق التاكسى يتكلم عن الأحوال الاقتصادية فى البلد بكل جرأة وحرية بل ويسب المسؤلين ويتحدث عن الغلاء الذى جعله < يشتغل سواق تاكسى بعد الضهر > وتأخذه الجلالة
ليتحدث عن خططه التنموية " لو كان الموضوع فى إيدى كنت زمانى عملت وعملت و ......"ا
وهو نفس السائق الذى يكسر إشارة المرور ويتفنن فى مخالفة التعليمات , والأهم أنه هو الذى ينافق ويداهن ظابط المرور
عندما تجد مجتمعا يناقض نفسه وكل فرد فيه ينصب نفسه حكما على أفعال الآخر , يحسن إستغلال وقته فى تصيد أخطاء الآخرين , وتجد جلسات النميمة فى كل مكان والقيل والقال ,
يعيب الفرد على أفعال غيره ولربما يقترف هو نفس الأفعال ولكنها ثقافة شعب
عندما تجد الحجاب قد انتشر بأشكاله المختلفة وفى الوقت نفسه ازداد العرى فى أفلامنا وكليباتنا.
عندما يزداد وضعنا الاقتصادى سوءا , فى الوقت الذى يزيد فيه اهتمامنا بالمظاهر والشكليات .
عندها تدرك أنها ثقافة شعب
ثقافة شعب , تلك الثقافة السلبية التى تربى عليها منذ الخمسينيات والتى أفقدته الكثير من مميزاته , ليكون نتاجها شخص غريب
يغضب ولا يثور
يقول و لا يفعل , يجهد نفسه فى مناقشة الفرعيات بينما يستسهل فيما هو أساسى وحيوى لنهضة بلاده
لم تكن الا عتقالات فى عهد عبدالناصر والتعذيب الذى لاقاه المعتقلين أيامها , مجرد حبس لأفراد وإنتهاك لإنسانيتهم , ولكنها كانت ثقافة الخوف التى انتشرت بين أفراد
الشعب كله وصارت جزءا من تركيبته الإنسانية , لدرجة أن يصل الأمر إلى أمثال شعبية وتعبر بصدق عن ما وصل إليه هذا الشعب من الانهزامية ليكون " الحيطان ليها
ودان , وإذا فاتك الميرى اترمى فى ترابه " وغيرها من الأمثال.
لتكون الشخصية المصرية سلبية " حمولة " إذا جاز التعبير تلك الشخصية التى حيرت المحللين والخبراء , فقدت إيجابيتها وجزءا من طيبتها وقلما نسمع عن الشهامة
والرجولة والنخوة والأهم الكرامة
و لأنه ليس هناك فعل , فيجب أن يكثر القول , فنجد المصرى الفهلوى الذى يعلم الشاردة والواردة , تسأله عن مكان معين فيصفه لك بدقة متناهية , لتجد نفسك خارج حدود المدينة
وهكذا أصبح فن الكلام من فنونه المعتمدة والتى لا ينافسه فيه غيره فمادمت لاتستطيع أن تفعل فلتتكلم , ومن هنا كانت الصفة الملازمة للشعب المصرى بأنه الشعب
الساخر يسخر من أوضاعه فى نكتة بحرية وجرأة فى حين أنه لايملك هذه الجرأة لتغيير أوضاعه السيئة .
ثم جاء عصر السادات وما فيه من انفتاح إقتصادى , فاستبدل اليد التى تنتج بتلك التى تشترى , وكان نتيجة لهذا الانفتاح أن طغت المظاهر على حياتنا , أصبح اهتمامنا محصورا فى
الشكليات مما دفعنا إى أن يكون شغلنا الشاغل هو جمع الأموال لتحقيق أكبر قدر من الثروة نستطيع من خلالها الظهور بشكل أفضل يحقق لنا الراحة النفسية فى مجتمع
تملأه المتناقضات , فغابت الروابط الاجتماعية وطغت الماديات على حياتنا
وهكذا أ صبحنا نتيجة لمسببات كثيرة كانت بدايتها الخمسينيات ولم تتحدد نهايتها بعد , فالشعب الذى طال صبره لاحت بشائر تمرده
وظهرت فى الصورة ملامح جديدة , ملامح ربما تبشر بمستقبل مختلف ..أفضل .. أصعب . لا أدرى , .ولكنه بالتأكيد يستحق المحاولة
ودمتم