Wednesday, June 16, 2010

عبدالرحمن ..


ليس من السهل ذكر اسمه , فضلا عن استدعاء ذكراه , فهناك من شخوض حياتى من لاأستطيع التكلم عنهم إلا من وراء حجاب ,, لم أملك الجرأة الكافية يوما لسبر أغوارهم فى نفسى .. فالوصول إلى تلك المناطق العميقة فى النفس متعب ومؤلم على نحو قد لا اتحمل عنائه ..فأتركه هكذا .. ساكنا متمكنا من موقعه رافضا أن يتزحزح ,, و بالوقت ذاته ومن حين لآخر لا ينسى أن يذكرنى بوجوده .. إما ببسمة لاتعرف مصدرها ,, أو شجن لا يعرف سببه ..
هؤلاء وحدهم من أعرفنى من خلالهم حتى إذا تعمقت فى معرفتى بهم ازددت معرفة بنفسى , ألتجأ إليهم أحيانا .. هروبا أعرف ,, لكنه الهروب المحتم حتى يمكننى ان أبقى كما أنا ... اطمأنهم على مكانهم فى نفسى , أبث لهم همومى وأخذ منهم رسائل الحياة وأمضى ,,ورسائلهم صادقة ,, أثق فى صدقها , ليس فقط لانى أثق بنقاء حبهم , ولكن لأنه ليس هناك أصدق من الموت .. !!
وهو أحدهم ,, أو لنكون أكثر دقة ثانى أولهم ..
عبدو ,, هكذا ناديناه سنينا كان هو قائدنا المغوار فيها ,, ينظم اللعبة ويرتب الصفوف ويضع القوانين المنظمة , ونستجيب نحن بثقة فى عقل عبدو ,, وهى ثقة مكتسبة استطاع نيلها بعد إثبات للقدرات وإقناع له بأن اللعب مع البنات ليس فيه انتقاصا من شأنه ,حيث كان يرى أن ذلك الجنس البشرى لم يرقى بعد لمستوى تفكيره الطفولى ,, ولحظه السىء كان بقية اقربائه من ذلك الجنس البشرى , فكان يتعامل معنا أحيانا من باب " المضطر " حتى يحدث الله أمرا كان مفعولا ..
أعوام أربع أكبره بها , لم أجد فيها ما يمنعنى من أن أسير تحت قياده ,, واعترف لم أكن أنا بالطفلة التى يرضيها أحد , لكنه كان بالطفل الذى لايمكن ألا يرضاه أحد ॥

هو أول من علمنى تفانين الكرة التى كان بها مغرما , وفى أوج شهرة " حسام حسن " أقنعوه أن يفعل مثله ويحلق شعره كاملا ,هم ليسوا من هواة الكرة ولا من أصحاب تقاليعها وإنما خافوا عليه من صدمة أن لايجد شعره الحريرى كنتاج طبيعى لعلاج مرضه ,أو لربما خافوا من إجابة سؤاله .. " ليه ؟ " ,, فأتوا بتلك الطريقة ليجعلوا من كل شىء أمر طبيعى ..
يحدثنى أنه الأمهر فى تمرير الكرة لخط الدفاع ,, يتكلم عن خطط كروية أبهر بها مدربوه ,, كلمات أتذكرها " ظهير أيمن ,, أيسر ,, خط وسط " ,, يسهب فى أخبار ناديه المفضل آنذاك " الزمالك " وأنا لا افهم شيئا من هذا كله ,, تشعرنى فقط حماسته أن ثمة أمر هام يتحدث عنه ,, أمر يهمه وهذا جدير بخلق اهتماماتنا جميعا ,, بلا استثناء ..
عبدالرحمن ,,
أول أبويه هو ,, وثانى الأحفاد ,, ولهذا خصوصية تليق به ,, روح أمه كما كانوا يقولون .. لهما تعلق غريب , ليس كتعلق ام بابنها وإنما بقلبها الذى يمشى أرضا .. لذا كان طبيبعيا أن لاتجده بعدما ذهب .. أما أبيه فكان يرى فيه كنز الحياة الدنيا ,,
أما نحن .. لا أحسب هذا الاسم لم يترك بصمته فينا , لكل منا ذكرى عنده ومعنى لم يجده فى غيره ,,هو من الأسماء التى إن ذكرتها ستحيرك ردود الأفعال ما بين ابتسامة ودموع وخفقان قلب وإعادة تفكير ,, وهروب .. لكن أحدا لن يمر عليه مرور الكرام ..
لكن الاسم الشجىّ صار من المحرمات لمدة طالت وستطول عن العشر سنوات , لايملك أحد منا ذكره علانية, نحتفظ به سرا فى أنفسنا , تحدثنا به ذواتنا , لكن يظل البوح به غير مأمون العواقب ,, فهكذا الحياة , تحرّم أسماء وتبيح أخرى كيفما تريد .
وهو اسم خلق ليموت .. , فهذا العقل المتّقد الذكاء , والنفس الرقراقة الصافية المحلقة على الدوام , والقلب المحب النقىّ ,لم يكن ليكتب لهم العيش , حتى تقاسيم وجهه , تخبرنا _على نحو لم نفهمه إلا متأخرا _ أن مثله لايبقى , وإنما يأتى طيفا ليعلمنا حكمة إلهية ويرحل فى هدوء,,
مازلت أتذكر ملامحه على نحو لم أعهده فى نفسى , فهذه عادة أول ما أنسى , ومابين صورتين تأخذان نفسى من النقيض إلى النقيض أجد غصة لاتذهبها عيون تستأذن الدموع ..
صورته وهو يؤمنا فى الصلاة عذب الصوت حيوى الحركة ,, والأخرى وهو بالمشفى , يتعالى على عجز المرض , ويرفض أن يستسلم لقوانين العلاج المرهقة ..
يبتسم ويقول لى " مبقتش بخاف من الحقنة , لإنى بقيت راجل " , أخبره أنى مازلت أرتعد منها .. يصمت ثم يقول " لكنى تعودت عليها " ,,
لا أعرف تفاصيل النهاية , لم يخبرونا بها خوفا علينا ,, قالوا لنا أنه لم يعد بالإمكان أن يشاركنا اللعب ,, ثم زادوا لم يعد من المستطاع ان تروه ,, وأنهوا ,,لم يعد من المقبول الحديث فى هذا الأمر .. !!
لا أعرفها ولا أحسبنى سأستوضحها يوما ,, خير لى أن أبقيها غامضة مبهمة تحتمل كل الوجوه إلا وجهها الحقيقى ,, ليبقى وقع " عبدالرحمن " فى نفسى ابتسامة .. ويبقى تأريخه الوحيد عندى 16\6 ,, يوم مولده
ولتبقى النهاية عندى زيارة له أرانى فيها النيل _ للمرة الأولى _ من شباك مشفى الأورام , ووعد لم تتح لى الأقدار أن أوفى به .. وعد بزيارته قريبا ..

6 comments:

أنا - الريس said...

أي الطفولة أفضل أيام في حياتنا
0000000000000000000
ربنا يكرمك يا رب

نبض الأمل said...

اممممم لا أدري ماذا أقول!!
ولكن بداية أود أن أحييكِ على طريقة كتابتك للموضوع (بداية) رائعة (وصف) جميل لطفل أجمل (نهاية) مقدرة على كل
البشر ، أعجبني كثيراًنك تتذكرين تاريخ ميلاد هذاالطفل ولنقل الرجل الرائع ( مبقاش يخاف م الحقنة يبقا طبعا راجل )
ذكرتي تاريخ الميلاد لان ميلاد الأشخاص الرائعين هو مايؤثر فينا حقا ونطبع في قلوبنا صورة لهم لن ننساها أبدا ، أما تفاصيل النهاية فتظل دوما مؤلمة ولا ننساها أيضا فالأفضل ألا نعرفها كما حدث معك
وأحييك للمرة الثانية قد أثرتي في نفسي شجون وذكرتيني بأحبة غابوا عنا ( دايمامنكدة عليا )ربنا يسامحك ورحم الله الجميع

Old Blogger said...

رحمة الله عليه

جميلة أنتِ

FadFadA said...

أشعر أن هناك أناس خلقهم الله ليشعرونا أننا مازلنا بشر
نملك مشاعرا لا تستطيع الكلمات وصفها
بشر بقلب يخفق و عين تدمع
بالرغم من ذهابهم

بجد ... تدوينة جميلة جدا

محمد

Anonymous said...

هذه أقدار الله في أرضه .. وعبد الرحمن ومن مثله خلقهم الله لنا ليذكرونا دائما بنعم المولى عزوجل علينا .. وابتسامتهم الملائكية تقتحم قلوبنا قائلة لم الهم ؟!

Mostafa Abdelmoneam Badr said...

و بالوقت ذاته ومن حين لآخر لا ينسى أن يذكرنى بوجوده .. إما ببسمة لاتعرف مصدرها ,, أو شجن لا يعرف سببه

اطمأنهم على مكانهم فى نفسى , أبث لهم همومى وأخذ منهم رسائل الحياة وأمضى

كان يرى أن ذلك الجنس البشرى لم يرقى بعد لمستوى تفكيره الطفولى

كان بالطفل الذى لايمكن ألا يرضاه أحد

خافوا عليه من صدمة أن لايجد شعره الحريرى كنتاج طبيعى لعلاج مرضه

روح أمه

كان طبيبعيا أن لاتجده بعدما ذهب

ما بين ابتسامة ودموع وخفقان قلب وإعادة تفكير ,, وهروب

نحتفظ به سرا فى أنفسنا

ويرحل فى هدوء

" مبقتش بخاف من الحقنة , لإنى بقيت راجل "

يصمت ثم يقول " لكنى تعودت عليها

خير لى أن أبقيها غامضة مبهمة تحتمل كل الوجوه إلا وجهها الحقيقى

النيل _ للمرة الأولى _ من شباك مشفى الأورام

16\6

ووعد لم تتح لى الأقدار أن أوفى به

ليبقى وقع " عبدالرحمن " فى نفسى ابتسامة ..

عبدو ,, هكذا ناديناه سنينا

عبدو ,, وهى ثقة مكتسبة استطاع نيلها بعد إثبات للقدرات وإقناع

عبدو

 
Designed by Lena Graphics by Elie Lash