Monday, May 10, 2010

الطريق إلى " الأبعدية " ..

قد عشت أسأل أين وجه بلادي؟؟
أين النخيل ؟ وأين دفء الوادي؟
لاشيء يبدو في السماء أمامنا
غير الظلام وصورة الجلاد
هو لا يغيب عن العيون كأنه
قدر كيوم البعث والميلاد ..
كلمات لجويدة سمعتها يوما ووعيتها عن ظهر قلب , ليس فقط لأن فيها إبداع الوصف , لكن أيضا أحسبنى أرغمت علي حفظها , ففى اليوم التالى مباشرة لإلقائها كنت على موعد مع زيارة أبى فى مزرعة طرة,,
ووجدتنى أرددها وأنا فى طريقى إلى المزرعة ,, أحفظها عند عودتى من المحكوم ,, أفهمها بين نزلاء وادى النطرون ,, أتلمس معانيها فى سجن الزقازيق ,, اكرهها وأنا أرى تلك الوجوه الأمنية البائسة بسجن دمنهور العمومى ..
وكم حاولت جاهدة أن اطرد ذكرياتها من ذاكرتى وما ألبث أن انجح و استعيد وجه بلادى حتى تأتى الدولة فيها لتعمّق تلك الذكريات وتجددها على نحو من يريد الإثبات لا النفى !!
لأعود وأتسائل من جديد ,, أين وجه بلادى ,, بالتأكيد هو ليس فى ذلك الطريق الصحراوى إلى معتقلاتها ,, ولا تلك الوجوه التى رسم عليها الزمان أقسى معانيه ,, ليس وجه بلادى فى تلك الأيادى الممتدة تسأل الناس إلحافا .. ولا تلك الظهور التى تحمل هموما تنأى عن حملها الجبال ,, وجه بلادى غير مرسوم على أجهزة أمنها وقصور سارقيها ,, وجه بلادى ليس هو وجه حاكميها ..
وانتظر مع كل صباح أن أرى معنى الوطن فى بلادى ,, أن افهم أن أرضها يمكنها أن تسعنا وليس فقط سجونها ,, أن السماء فى وطنى لها معنى آخر غير التعلق بها دعاءا على الظالمين أو طلبا للنجاة من كيدهم ,, وأن العيون لا يرتسم الذل فيها وكأنها جبلت عليه ,, انتظر معنى الوطن فى نشيده القومى ,, فلا يأتى .. !!
وفى الطريق إلى وجه بلادى المحتوم وأنا ذاهبة لزيارة أبى , أقنع نفسى أن ثمة وجه آخر لم تتحه الظروف , وأن موعدى معه قريبا , فربما تكون هذه آخر الزيارات ومنتهى الأماكن التى سأتعرف عليها على كثرة ما عرفت من أماكن فى بلادى يسمونها " معتقلات "
هذه المعتقلات التى لا يجمعها سوى هذا الإحساس بالظلم وتلك الأسوار العالية التى لطالما تمنيت لو هددتها حجرا حجرا , حتى لا يبقى على وجه الأرض ما يمنع أبا أن يكون وسط ابنائه و طفلة تبكى اشتياقا لأبيها ليلا وأم كل أمنياتها أن يستقبل ابنها عزاؤها ..
وكترنيمة متكررة تختلف فقط فى بعض التفاصيل تكون زياراتنا لتلك " المعتقلات " ..
نستيقظ ليلا لنتجهز ,, فالرحلة طويلة ممتدة ربما بطول أعمارنا ,, يٌؤذَّن للفجر فأدعو الله أن يأذن بفجر مشابه لبلادى ,, نتّم الصلاة ونطمئن على استكمال أوراقنا ,, البطاقات ,, إذن الزيارة ,, رخصة السيارة ,,

تودعنا "الشرقية" _ كعادتها _ بتمنيات السلامة ,, وتستقبلنا _هذه المرة_ " البحيرة " بعبارات الترحيب ,,نبحر أكثر فى المدينة الساحلية ,, مازال فى الوقت بقية لتجميع شتات النفس ولملمة أحداث الإسبوع علّى استطيع هذه المرة التفوق على الزمن وحكيها جميعا لأبى ,, ففى المعتقل لا يعترفون بأبوة وبنوة ,, ومعانى الإنسانية لا تعنيهم فى شىء , فالقانون يقول : لكى دقائق معدودة هى حقك الدستورى حتى وإن كنت أقضى فى الطريق أضعاف ما أقضيه فى الزيارة .. فهذا لا يهمهم فى شىء!! أما هناك على جهاز التفتيش فيتعاملون مع تلك الدقائق " كمنّة " لهم فيها ما يشاؤن من المنع والعطاء !!
مازلنا على الطريق ,, يستبد بنا القلق على صحة أبى فنطوى طول الطريق بمواصلة الدعوات بأن ينتبه أبى إلى مواعيد الدواء ,, وأن يستقر معدل الضغط والسكر ,, نخفى جميعا تساؤلا مرا عن صحة قلب أبى ,, نتمنى لو سابقنا الزمان حتى نراه ونطمئن على صحته ,, بلطف من الله نصل إلى "الأبعدية" حيث " سجن دمنهور العمومى " و ملمح آخر من ملامح بلادى له تفاصيله المختلفة ,, فالأبعدية لها من اسمها نصيب , فهى على بعدها ومشقة طريقها المتعرّج تبدو متصالحة مع من أسماها بهذا الاسم ,,
تستقبلنا وجوه تقول أنها قد جاءت لمذنبين يعاقبون على جرم فعلوه اصطلح على تسميتهم " جنائيين " فى تناقضية لطالما أرهقتنى ما بين معتقل " جنائى " وآخر فى نفس المكان , تمارس عليه القوانين أسموه معتقل " سياسى " ..!!
انظر إلى تلك الوجوه التى تعتبرنا غرباء عن هذا المكان ,, اتسائل إن كانوا يعرفون لماذا نشاركهم المكان نفسه ,, هل يقلقهم قانون الطوارىء .. أو مثلا يعرفون شيئا عن تهويد القدس ,, أيهتمون لخبر بيع أصول البلاد ,, هل هم مثلى يبحثون عن وجه الوطن , أم أنى وحدى أهيم بحثا .. ؟؟
لم انتظر طويلا حتى جاءتنى الإجابة من أحدهم عندما قال : دول سياسة ملناش دعوة بيهم , وذلك فى معرض إجابته عن تساؤل صاحبه عندما سمع العسكرى ينادى : السياسى يجى يسجل هنا ..
عندها أدركت أن وجه الوطن ليس فقط تائها عن أبنائه , وإنما أيضا مشوها فى عقول بعضهم ..
حقائبنا على جهاز التفتيش ,, قلوبنا تسبقنا إلى غرفة الزيارة ,, وعيوننا معلقة على وجه الضابط بانتظار معرفة الخطوة التالية ,, فهم دائما من جديد إلى جديد ..
انهينا مراحل التفتيش ,,
نحن الآن فى غرفة الزيارة ,, تستقبلنا ابتسامة ترحاب من أبى ,, تلاحقنا تلك الوجوه النورانية بالسؤال عن أحوالنا والاطمئنان علينا ,, عالم آخر يشبه المدينة الفاضلة .. حب وتآخى وود وقلوب عامرة بالسكينة ,, أمل يعرف طريقه إلى النفوس ,,
وأخيرا أجد الإجابة على سؤالى ,, ثمة وجه آخر لبلادى يرتسم على تلك الوجوه النورانية ,, وجه يحمل ملامح الوطن الذى نعرف فيه الأمان والاستقرار ونتّم فيه صلاة الفجر,, وأبى لنا إماما
ً ..

* المقال على إخوان أون لاين
http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=64574&SecID=390

2 comments:

همسة قلم said...

قرأتها هنا وهناك وهنيك :)

مرات ومرات يازهراء

كم يعجبني نبض قلمك الرقيق ونبض قلبك الأرق..

تأسريني عند وصفك يازهروءة وأتعلم منكِ الكثير في وصف الحقائق الجامدة المؤلمة بوصف أدبي راقي مثلما تكتبين :)

ربنا يفك أسر عمو أمير

تعرفي
نفسي جدا أشوف عمو وأقعد معاه وأشكره عليكي :)

دمتِ كما أنتِ مبدعة ورقيقة .. وزهراء :))

وعلى جنب
وحشتيني فعلا فعلا

3nod maka said...

تعرف الان معنا على قتدم افضل تنظيف خزانات التى لا مثيل لها الان وباقل الاسعار الرائعة التى من خلالها نعمل على تقدم افضل تنظيف سجاد التى نقدمة الان وباقل الاسعار الرائعة من تنظيف منازل التى تعمل على تقدم افضل العروض ايضا الان من جلي سيراميك التى من خلالها نقدم اليكم افلض الخصومات الرائعة الان من مكافحة العته التى نقدمة اان لتخلص من الحشرات

 
Designed by Lena Graphics by Elie Lash